Site icon IMLebanon

الحق المكتسب.. لا يقنط رجاله ولا يُهزمون

 

لمجرد أن يقطن نحو مليوني شخص في مساحة تبلغ 360 كلم مربعاً مطوقة بمئات المستوطنات الصهيونية من كل الجهات، فإنّ منطق السيادة سيكون مُغيّباً، والهواء الحرّ النظيف، لن يكون بإمكانه العيش بوئام مع ثقافة الاستبداد والاستبعاد، لذا يمسي عصيًّا على تنشّقه من قبل الإنسان. إنّ المحافل القانونية المرموقة تقف مكتوفة الأيدي نتيجة اعتناقها مذهب الصمت المريع أمام هول ما يجري في غزة وهي على علم بكل الحقائق كافة، وترى بأمّ عينيها سيطرة السياسة الأميركية والدائرين في فلكها على لسان حالها، من هنا لن تستطيع أي تلك المحافل محاربة وملاحقة المتربع الأميركي على عرش القانون والغازي الصهيوني للأرض والعرض، ولن نظفر ولو بمسؤول واحد يرنّ جرس الإنذار ويدق ناقوس الخطر في هذه الأماكن التي هجرها القانون أو التي فقدت الذاكرة ربما كثرت الأحاديث عن غزة والغزاويين، لناحية تأكيد الأبواق الصهيونية بأنّ الهدف ربما تهجيرهم الى مصر الى منطقة سيناء أو إلى العريش وتدعم واشنطن نتنياهو بلسان بايدن الذي يحض على إراقة المزيد من الدماء البريئة بسلاح السوبرمان الأميركي، وكل ذلك لخدمة أهداف سياسية عنصرية أقلّها تهويد كامل التراب الفلسطيني. لكن السؤال المطروح هل بإمكان الجيش الذي قهره الغزاويّون والمقاومة في لبنان أن يخرج منتصراً من حرب برية قد تقع على أراضي غزة. لقد أثبتت نخبة مغاوير الجيش الصهيوني الغولاني فشلها الذريع في خوض غمار ومعترك حروب العصابات داخل الأزقة والزواريب. من هنا نسمع صوت بايدن ينادي نتنياهو قائلاً له في الإعلام أدرس كثيراً خيار الإقدام على الدخول في حربٍ برية مع من يتقنها جيداً. أما الخبراء العسكريون الإسرائيليون يجزمون بمعظمهم بعدم نجاح خيار الحرب البرية. يقول افرايم هليفي الرئيس الأسبق لجهاز الموساد أنّ كثيرين ممن يتولّون المسؤوليّة الآن لا يعرفون حماس جيداً ولا يعرفون غزة تماماً ولا يجيدون قراءة خريطة الشرق الأوسط ويضيف قائلاً لقد أمضيت ساعات طويلة من حياتي في حوارات مع قادة حماس وسنين طويلة في دراسة الحركة والبيئة التي تعمل فيها. وبناءً على ما تقدّم، أنصح القادة الإسرائيليين بترك أسلوب التبجّح والتهديدات الفارغة والامتناع عن الاجتياح الكثيف والشرس.

وبتاريخ 18 تشرين الأول، قال ضابط المخابرات السابق في الجيش الأميركي سكوت ريتر أنّ كتائب القسام وفصائل المقاومة الفلسطينية ستدمر الجيش الإسرائيلي في حال حدوث عمليّة بريّة في قطاع غزة. ويتابع الضابط المتقاعد ريتر قائلاً سأكون صادقاً معكم، انّ الإسرائيليين في حال ذهبوا الى غزة سيموتون بأعدادٍ لم يرها ويعهدها الشعب العبري قبلاً، وأعرب ريتر عن ثقته بأنّ الرئيس الأميركي جو بايدن يدرك أنه ليس فقط هناك استحالة انتصار إسرائيل، بل أيضاً عدم قدرة واشنطن على مساعدتها في حالة مشاركة حزب الله وإيران في الصراع.

وبتاريخ 17 تشرين الأول 2023، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» أنّ متخصّصين بالمجالات العسكرية قالوا أنّ الجنود الإسرائيليين الذين يستعدون للقيام بهجوم برّي على قطاع غزّة ان فعلوا فسيواجهون غابة جهنّميّة من المباني والألغام والأنفاق المكتظة، من هنا سيكون الوضع محفوفاً بالمخاطر على الجنود الإسرائيليين، وقال تحليلاً أعدّه الجنرال المتقاعد في مشاة البحرية الأميركية كينيث فرانك أنّ الجيش الإسرائيلي ولو حقّق بعض التقدّم، إلّا انّ مقاتلي حماس قادرون على العودة بقوة وسيتحوّل الأمر الى حمام دمّ للجميع. أما المسؤول الكبير السابق في البنتاغون ميل مولروي فقال بأنّ الهجوم البري الإسرائيلي في حال بدأ، بأنّ نتائجه غير مضمونة لناحية تحقيق انتصار لأنّ حماس من الناحية العسكرية اليوم ليست حماس نفسها عما كانت عليه في السنوات المنصرمة، وتابع مولروي قائلاً إذا أراد الإسرائيليون تطهير المباني وشبكة الأنفاق الواسعة سيتوجب عليهم دخول غزة والقتال وفق قاعدة جندي في مقابل جندي ومن مبنى الى مبنى، وهذا أمر في غاية الصعوبة.

وبتاريخ 13 تشرين الأول 2023، أشار الرائد الأميركي السابق المتخصص بدراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة بالأكاديمية العسكرية الأميركية جون سبينسر الى انّ الحرب البرية في غزة ان اندلعت ستكون دموية للغاية، لأنّه لا يمكن تغيير طبيعة حرب المدن التي تنجب الكثير من الأضرار الجانبية المؤذية. وكتب الخبير الاستراتيجي المؤرج ادوار لتوتواك في موقع انهيرد انّ القوات الإسرائيلية لا يمكنها أن تتفاعل لناحية العثور على قادة حماس في مخابئ لا يعرفها أحد سواها، كما لن يكون بإمكانهم أن يأملوا في العثور على رهائن إسرائيليين وقد يقتلون أمام أعينهم إذا اقتربوا أكثر. أما العقيد المتقاعد في الجيش الإسرائيلي شمعون اراد قال عن شبكة الانفاق في قطاع غزة أنها منعت قوات بلاده من القيام بعمليات برية واسعة النطاق داخل القطاع في الحروب السابقة. أما بشأن توقعات اقدام إسرائيل على احتلال غزة، فقال قائد الفيلق الجنوبي سابقاً اسحاق بريك انّ احتلال غزة ليس فقط سيؤدي الى إصابات في الجيش الإسرائيلي، إنما لن يعود بالفائدة لأنهم لن يكونوا قادرين على اتمام هذه المهمة. وبشأن انتصارات حماس قال يئير نفييه نائب رئيس هيئة الأركان سابقاً بتاريخ 14 تشرين الأول 2023، أنّ حماس نجحت أكثر من اللازم وقد أقلقت بنجاحها الى الأمام، أما بالنسبة الى تحرير الأسرى، فهو سيكون موضوعاً دراماتيكيًّا.

انّ كتاب التوراة مُلزمٌ بالإيمان بفحواه كل يهودي وصهيوني، وهنا لا بد من إحالتكم الى بعض ما جاء في سفر التثنية: (10- وحين تتقدّمون لمحاربة مدينة فادعوها للصلح أولاً. 11- فإن قبلت بالصلح واستسلمت لكم، فكل الشعب الساكن فيها يصبح عبيداً لكم. 12- وإن أبت الصلح وحاربتكم فحاصروها. 13- وإذا أسقطها الرب إلهكم في أيديكم فاقتلوا جميع ذكورها بحد السيف. 16- وأما مدن الشعوب التي يهبها الربّ إلهكم لكم ميراثاً فلا تستبقوا فيها نسمة حيّة. 17- بل دمّروها عن بكرة أبيها لمدن الحثيين والأموريين والكنعانيين والحويين واليبوسيين كما أمركم الرب إلهكم). أما بالنسبة الى ضرورة قتل الصهاينة الأطفال غير اليهود، يذكر أنه في العام 2009 أصدر حاخامان متطرفان يدير أحدهما مدرسة دينية يهودية اسمها يشيفاة تقع في مستوطنة يتسهار القريبة من مدينة نابلس في الضفة الغربيّة كتاباً يبيحان عبره قتل غير اليهود وبخاصة الفلسطينيين وأطفالهم. ومما جاء في هذا الكتاب أنّ الأطفال هم سدادو الطريق لأنهم مع الوضع يسدّون طريق النجاح، وغداً وبما أنهم سيكبرون سترون كيف يمكن أن يتعلّموا فنون القتل لذا يجب قتلهم وهم صغار ورُضّع.

وهنا الى القيّمين على شرعة حقوق الإنسان، أظنّ أنهم قرأوا التقرير الذي أصدره المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، وجاء فيه أنّ اعداد المستوطنين في الضفة الغربية تضاعفت 7 مرات منذ توقيع اتفاق أوسلو قبل 30 عاماً، بينما تسيطر المستوطنات على نحو 40 بالمائة من المساحة الإجمالية للضفة الغربيّة، وأضاف التقرير انّ اتفاقيات أوسلو، تطويها اليوم موجات متعاقبة من عمليات البناء والمخططات الاستيطانية الهدامة التي تستهف ما تبقّى للفلسطينيين من أرض. وأظنّ أنّ الكاتب الصهيوني آري شيبت الكاتب في صحيفة «هآرتس» أصاب عندما قال في عددها الصادر بتاريخ 16 تشرين الأول 2023، إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة إذ أنه اعترف بأنها تواجه أصعب الناس في التاريخ ولا حلّ معهم إلّا بالاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال.

يقول الكاتب اليهودي يسرائيل شاحاك في كتابه إسرائيل استراتيجيّة توسعيّة مغلفة بالسلام، بأنّ الصهيونية ليست سوى عصابة تبحث عن المال وتشكّل خطراً على اليهود. لذا ما بإمكان إنصاف الحلول أو أرباعها حلّ المشكلة الفلسطينية. فخيار تحرير فلسطين بالسلاح والنار هو الخيار المتبقي والحلّ الناجح المؤدي الى الانتصار المظفر المبيّن.

وأردد مع الخالد الشاعر محمود درويش:

وإن سألوك عن غزة قل لهم بها شهيد، يسعفه شهيد ويصوره شهيد ويودعه شهيد ويصلي عليه شهيد، ولا بد أن يكون آخر الدواء مع الغاصب الكيّ.