في 21 نيسان 2020 أبصر القانون الرامي إلى ترخيص زراعة نبتة القنّب للإستخدام الطبي والصناعي النور، في مجلس النواب، بإجماع الكتل النيابية كلّها باستثناء «حزب الله»، تحت حجة أن «لا جدوى إقتصادية» لتشريع زراعة «حشيشة الكيف» لدواعٍ طبية وصناعية، علماً أنّ مؤسسة «ماكينزي» الدولية أوصت في الخطة الإقتصادية التي أعدتها للبنان عام 2018 بتشريع هذه الزراعة التي من المُقدّر أن تدرّ سنوياً نحو مليار دولار.
هذا القانون شهد مصير قوانين أخرى تخطّى عددها الخمسين، فبقي «حبراً على ورق» بسبب عدم إقرار الحكومة المراسيم التنفيذية لتطبيقه. فلإدخال هذا القانون حيّز التنفيذ وبدء العمل في هذه الزراعة الصناعية، يجب على الحكومة تعيين هيئة ناظمة للقطاع، وتتبع هذه الهيئة بحسب القانون لرئاسة مجلس الوزراء. لكن لا حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ولا حكومة الرئيس حسان دياب أصدرتا المراسيم التطبيقية لقانون ترخيص زراعة القنّب الهندي للإستخدام الطبي والصناعي. وبالتالي، على رغم إقرار هذا القانون منذ نحو 4 سنوات، لا تزال زراعة «الحشيشة» في البقاع غير شرعية، حتى الآن، بما يعني خسارة المزارع وخزينة الدولة واستفادة تجّار المخدرات.
في 12 كانون الثاني الماضي، طالب وزيرا الزراعة والصناعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن وجورج بوشكيان، خلال جلسة لمجلس الوزراء، بإقرار مراسيم قانون القنب الهندي الصناعي، إلّا أنّ مجلس الوزراء قرّر تأجيل هذا البند لـ»مزيد من الدرس». فأشار الحاج حسن، إلى أنّه أُشبع درساً وإذا كانت هناك اشكالية في السياسة فيجب أن تُحلّ». وكان الحاج حسن دأب على تأكيد أنّ عرقلة هذا الملفّ سياسية.
البعض يعتبر أنّ تعيين هيئة ناظمة لهذا القطاع متعذّر في ظلّ حكومة تصريف أعمال. إلّا أنّ هذه الحكومة كانت أصيلة خلال عهد الرئيس ميشال عون ولم تعيّن الهيئة الناظمة لزراعة القنّب الهندي، على رغم طرح هذا البند في جلسة حكومية برئاسة عون. وقيل آنذاك إنّ المرسوم مُنع من الإقرار لأنّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وضع تعيين الهيئات الناظمة لأكثر من قطاع ضمن سلّة واحدة ومن بينها قطاع الكهرباء، للمقايضة.
خلال السنوات الأخيرة «راجت» تجارة «الكبتاغون» لأنّها مربحة أكثر من «الحشيشة». فيما اتجه بعض المزارعين، منذ نحو عشر سنوات، خصوصاً في دير الأحمر، إلى زراعات بديلة ومنها زراعة «الكرمة» لإنتاج النبيذ، بعد فشل كلّ الزراعات البديلة التي رعتها الدولة منذ عام 1970. وفي السنوات الخمس الأخيرة وجرّاء أزمة القمح عالمياً، اتجه البعض إلى زراعة القمح و»العلف» في سهل البقاع، لكن حتى الآن لم تتبيّن الجدوى الإقتصادية من هذه الزراعة، خصوصاً أنّ مزارعي القمح يعتمدون على الدولة لشراء محصولهم.
عضو تكتل «الجمهورية القوية» الدكتور أنطوان حبشي يقول في حديث لـ»نداء الوطن»: «من المضحك والمبكي في آن، أن يكون هناك قطاع اقتصادي إنتاجي كبير واسع الأفق طبياً وصناعياً ولم يشهد تنفيذاً على رغم إقراره في مجلس النواب، فيما الدولة تتوسّل بضعة دولارات كمساعدة للعائلات الأكثر فقراً». حبشي سبق أن زار كلّاً من دياب وميقاتي لمتابعة هذا الموضوع، وكان يسمع الكلام نفسه عن السعي إلى إصدار المراسيم التنفيذية، إنّما من دون أن يُترجم هذا الكلام. وكونه متابعاً لهذا الملف وإبن بعلبك – الهرمل ونائب عن المنطقة، يشير إلى أنّ هذا السوق الاقتصادي يسيطر عليه 3 أو 4 تجّار، عبر قوى الأمر الواقع ومن يغطّيهم في الدولة، للترويج داخل لبنان أو التصدير إلى الخارج. بمعنى أنّ هذا السوق الإقتصادي بدلاً من أن يتحوّل قطاعاً إنتاجياً يستفيد منه المزارع وخزينة الدولة وجميع المواطنين، لا يزال إقتصاداً غير شرعي تستفيد منه مجموعة ضئيلة مرتبطة بجهات سياسية».
تاجر المخدرات في بعلبك – الهرمل حيث تنتشر زراعة «الحشيشة»، لا يمكنه أن يعمل إذا لم يحظَ برضى قوى الأمر الواقع، فتهريب المخدرات إلى الخارج يتطلّب قدرة على الحدود. كذلك إنّ التوزيع الداخلي يتطلّب تغاضياً وشبكة متعدّدة الأطراف من قوى الأمر الواقع إلى أجهزة في الدولة والسلطة. وخلال الانتخابات النيابية أُجريت بعض الحملات في بعلبك – الهرمل، عند تجّار مخدرات «معروفين». ويعتبر حبشي أنّه من المُستغرب أن لا تبادر الحكومات المتعاقبة إلى تنفيذ قانون صادر عن مجلس النواب، على رغم الدراسات التي تؤكد إنتاجية هذا القطاع الزراعي- الطبي- الصناعي. ويركّز على أنّ تحرير المزارع بالمعنى الإقتصادي – المالي يعني تحريره بالمعنى الإجتماعي – السياسي – الانتخابي، فيما إمكانية الاستثمار سياسياً في البيئات الفقيرة، لامتناهية. ويرى أنّ الهروب من «تشريع الحشيشة» بحسب القانون، والذي يحرّر المزارع ويجلب استثمارات ويخلق حركة إقتصادية واقتصاداً منتجاً على صعيدي الإنتاج والمعرفة، سببه أنّ هناك إرادة في عدم تعميم هذه القيمة الاقتصادية وإبقاء الإستفادة منها في إطار ضيّق بهدف سياسي.