بعد عقد من الزمن على فقاعة الائتمان العالمية والتي أدّت الى اسوأ أزمة مالية منذ الكساد العظيم في العام ١٩٢٩ تزايدت الديون في كافة الاقتصادات الكبرى وبمستويات كارثية اذ ارتفعت الديون بمبالغ تجاوزت الـ ٥٧ تريليون دولار وبما يفوق معدل نمو اجمالي الناتج المحلي العالمي.
أدّى تنامي حجم المديونية الى ارتفاع الضغط على الاقتصاد العالمي الامر الذي ينعكس طبعًا على النمو والنشاط الاقتصادي. وبالارقام شهد الدين ارقامًا قياسية بلغت قيمتها ٢٣٣ تريليون دولار في الربع الثالث من العام ٢٠١٧ حسب معهد المالية الدولية (IFF) ما يعني ثلاث مرات حجم الاقتصاد العالمي.
السؤال الذي قد يتبادر الى الأذهان هو لمن هذا الدين؟ ومن يدين بها وماذا يعني هذا المستوى من المديونية كذلك هل من شعور بالقلق تجاهها؟
الجواب على هذه الاسئلة يأتي تباعًا اذ انه وحسب الـ IFF هناك ٦٨ تريليون دولار من هذا الدين يعود للشركات غير المالية تليها الحكومات في انحاء العالم وبلغت قيمة مديونيتها ٦٣ تريليون، والمؤسسات المالية ٥٨ تريليون من القروض، واخيرًا الاسر المعيشية مع اجمالي ديون قيمتها ٤٤ تريليون دولار.
أما الجواب الاقصر على السؤال، «لمن هذا الدين» قد يكون «نحن». اذ ان كل الاصول المالية يمتلكها شخص في نهاية المطاف وقد يكون الامر خطيرًا في حال اصبحت الديون كثيرة وسداد الفائدة مستحيل اذ انه يترتب على ذلك مخاطر افلاس المقترض وخسارة الثروة للمقرض.
وضعية الحكومات في هذا المجال تختلف بعض الشيء عن الامس سيما من ناحية شروط الاقتراض وتبديل الديون الى اجل غير مسمى . وقد حذّرت مجموعة من الاقتصاديين في عام ٢٠١٤ من ان ارتفاع الدين محفوف بالمخاطر ويمكن ان يعيق الانتعاش العالمي كذلك من رفع اسعار الفوائد الامر الذي من شأنه ان يجعل اعباء الديون اصعب بكثير. وذهبت للقول ان هكذا عملية قد تعيد خطر تكرار انهيار عام ٢٠٠٨.
وحذّر Adair Turner، الرئيس السابق لهيئة الخدمات المالية في كتاب له عام ٢٠١٥ من ظاهرة اعتماد اقتصادات كثيرة على اكوام الديون المتزايدة والناشئة عن عدم استقرار النظم المالية وتسببها بنمو لائق في الناتج المحلي الاجمالي.
اليوم، الاقتصاد العالمي يتعافى شيئًا فشيئا، لكن الذعر باق في البنوك المركزية، وتبقى الديون العالمية مثل سيف ديموقليس يمثل خطرًا على الدوام سيما وانه يقف عند حوالي ٣٣٠ في المائة من الناتج الاقتصادي مقابل ٢٢٥ بالمائة في عام 2008 وفقًا لمصرف التسويات الدولية.
وبعد الأزمة العالمية في العام ٢٠٠٨ – ٢٠٠٩ تفاءل المسؤولون بأن مزيجًا من الانتعاش الاقتصادي والتضخم والتقشف سيخفض حتمًا حجم هذه الديون، ولكن ما رأيناه عالميًا جاء معاكسا للتطلعات اذ ان الانتعاش كان ضعيفًا جدًا والتضخم بقي دون المستويات المرجوة والتقشف هو نفسه. لذلك قد يكون الاقتصاد العالمي يعيش فترات هدوء قبل الانفجار بما معناه «on borrowed time» والاسباب لذلك تعود للتالي:
١- النمو الاقتصادي العالمي ما زال مدمنًا على الديون مما يعني انه من الصعب التأقلم مع التقشف في الشروط المالية.
٢- المصارف المركزية بحاجة ماسة الى تغيير سياستها لأن استمرارية انخفاض اسعار الفوائد تؤثر سلبًا على شروط الاستدانة وتشجع المجازفة المفرطة. واليوم تبدو الصورة واضحة سيما في الولايات المتحدة الاميركية. هناك شركات تحاول اخفاء الاحتياطات النقدية خارج الولايات المتحدة الاميركية والصين حيث اكبر المقترضين موجودين في الشركات المملوكة للدولة. وقد حذّر حاكم بنك الصين الشعبي Zhou Xiaochuan من لحظة «Minsky» اي عاصفة مالية بعد فترة طويلة من الهدوء.
اما احتساب خدمة الدين فليس بالأمر السهل، لكن في المطلق، هناك كميات كبيرة من الديون مع فوائد مرتفعة تتوافق مع خدمة دين كبيرة. مع ما ينتج عن ذلك من تراجع في مشاريع الاستثمار في البنية التحتية وغيرها وعلى المدى الطويل تصبح اعباؤها كبيرة وتنامي عبء الديون يصبح مشكلة بالنسبة للجميع.
وفق معطيات البنك الدولي، اي دولة تصبح نسبة ديونها مقارنة بالناتج تزيد عن ٧٠ بالمائة يعني انها اصبحت في حالة الخطر.
وهذا الأمر يطبّق حرفيا على وضعية لبنان مع أزمته الاقتصادية ونسب ديونه التي تجاوزت الخط الاحمر وتعرض البلد وحكومته وشعبه لمخاطر التقشف في الموازنة (والامر حتمي) وخفض الانفاق ومحاولة خفض الفوائد على الديون.
لذلك وفي خضم هذه الامور مجتمعة تبقى خدمة الدين عملية مهمة في البقاء والاستمرارية وقد تكون اهم العوامل لتخفيض خدمة الدين هي كالتالي:
١– خفض الفوائد على الديون- وهذا لن يحدث طالما الاقتصاد في تحسّن.
٢– زيادة ايرادات الضرائب وهو حل فوري لكنه يؤدي الى تباطؤ في النمو الاقتصادي، علمًا ان اقتصادا ينمو بسرعة سيعزز الايرادات الضريبية.
٣– خفض امتيازات المسؤولين وهذا الامر صعب المنال في خضم التباين بين المصالح الشخصية لهؤلاء كونهم هم الذين يصوتون على ذلك.
٤– تحويل الانفاق الى أنشطة تخلق فرص عمل اكثر.
اما من حيث تكاثر الدين دون انتاجية فان ذلك يساعد الى حد بعيد على السير نحو الهاوية وفي ظل افتقاد ملحوظ للعوامل الاربعة السابق ذكرها والتي يمكن ان تخفف خدمة الدين.
الامر الاكيد ان لحظة Minsky واردة لكل الدول وفي اي لحظة مما يعني الانهيار الكبير بعد موجة من الانتعاش في اسعار الاصول والتي هي جزء من الدورة الاقتصادية وزيادة في التفاؤل سببها زيادة في المديونية.
وكومة الديون هذه يمكنها ان تعمل كفرامل في البنوك المركزية ومحاولتهم لرفع اسعار الفوائد نظرًا للقدرة على خدمة هذه الديون من قبل الشركات والدول. واذا كانت الصين احدى الدول التي تخاف من ان تأتي، عاجلًا ام آجلًا، فترة Minsky فإن الدول في العالم المتقدم وفي الدول الناشئة عرضة لهذه الفترة.