Site icon IMLebanon

غروزني سورية أو أفغانستان روسية؟

التطورات الميدانية المتسارعة في الحرب السورية خلال الأسابيع الماضية٬ طرحت تساؤلات مثيرة في الوسط الدبلوماسي الغربي في بيروت:

هل نحن أمام غروزني روسية في حلب٬ أم أننا أمام بداية أفغنة أميركية لحلب٬ وهل ينسف الخلاف الأميركي الروسي المستجد بعد التطورات الأخيرة٬ الحديث عن صفقة تفاهم بين الطرفين عشية مؤتمر «جنيف­3«؟

قبل أن يقرأ أعضاء مجلس الأمن رسالة بشار الجعفري٬ التي جاءت بعدما تمكن النظام وحلفاؤه الإيرانيون من فرض الحصار على الأحياء الشرقية من حلب بدعم من الطيران الروسي٬ والتي هدفت للإيحاء بأن النظام انتصر وأنه يتصرف بمسؤولية عبر «الممرات الإنسانية» التي يتعاون مع الروس على فتحها٬ كان جون كيري يحّذر من خديعة روسية هدفها تفريغ حلب تمهيًدا لاقتحامها.

وبينما كانت الطائرات تلقي آلاف المناشير فوق المدينة داعية أهلها إلى الخروج٬ كتب أحد المعلقين الروس قائلا: «إن معركة حلب أشبه ما تكون بالحملة الروسية على غوديرميس»٬ التي نفذها الروس تمهيًدا لتدمير غروزني الشيشانية في ديسمبر (كانون الأول) عام ٬1999 في حين كان البيت الأبيض يعلن صراحة أن باراك أوباما لن يوقع على خطة التعاون العسكري مع روسيا التي تفاهم عليها كيري مع سيرغي لافروف.

السبب في ذلك أن الإدارة الأميركية تجد تناقًضا أساسًيا في الاستراتيجية الروسية التي تهدف بالدرجة الأولى إلى دعم نظام الأسد وتمديد عمر الفوضى في سوريا٬ وأن واشنطن طالبت موسكو قبل تورطها العسكري في سوريا بالتركيز على ضرب «داعش» والانضواء إلى التحالف الدولي وممارسة الضغوط على الأسد بهدف الانخراط في الحل السياسي.

الحمى الأميركية بعد حصار المناطق الشرقية من حلب والاستعداد الروسي الأسدي لتفريغها٬ لم تتوقف عند بيان البيت الأبيض وتحذير كيري٬ فقد أعلن رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية جون برينان من الاجتماع الأمني في آسبن أنه يشعر بالقلق على سلامة الأراضي السورية ووحدتها وأنه غير متفائل بمستقبل سوريا وما إذا كانت ستظّل موحدة أو تتعرض إلى التقسيم.

وفي حين كانت المعارضة السورية تحّذر من أن الدعوة إلى تفريغ المدينة هدفها تغيير تركيبتها الديموغرافية٬ وهذه خطة تهجير قسري ترقى إلى جرائم الحرب وتصب في مخطط تقسيم سوريا٬ باعتبار أن خط حمص حلب يرسم الحد الفاصل بين السهل السني وجبال العلويين٬ كان ستيفان دي ميستورا يطرح سؤالاً وجيًها رًدا على «حيلة الممرات الإنسانية» كما سّماها كيري:

أولاً كيف سيخرج ربع مليون مواطن من الأحياء المحاصرة تحت وابل من القصف٬ وثانًيا أي عملية لفتح مثل هذه الممرات يفترض أن تتم تحت إشراف الأمم المتحدة؟

عملًيا لم تكن هناك أي مغالاة في استحضار سيناريو غروزني التي دمرها الروس كلًيا ورفعوا علمهم فوقها في ديسمبر من عام ٬1999 فلقد برز السؤال مباشرة بعد إلقاء المناشير التي دعت الحلبيين إلى مغادرة أحيائهم:

إذا لم يكن الروس والنظام يستعّدون لعملية تطهير واسعة في حلب فلماذا الضغوط لتفريغها من سكانها٬ وخصوًصا أن دعوة الحلبيين إلى المغادرة جاءت في حين يعلن نائب وزير الخارجية سيرغي ريباكوف أنه لا يمكن أن يكون هناك مصالحة أو هدنة مع إرهابيين٬ وأن اعتراض واشنطن على إقامة «الممرات الإنسانية» هو نوع من الخداع السياسي هدفه إتاحة الفرصة للإرهابيين لإعادة تمركزهم ونحن لدينا رؤية أخرى مفادها أن محاربتهم يجب تتواصل حتى تحقيق النصر!

بعد أقل من يومين على إحكام الحصار على الأحياء الشرقية٬ وقعت المفاجأة التي لم يكن الروس والنظام وحلفاؤه ينتظرونها٬ عندما شّنت قوات المعارضة مع «جبهة النصرة» التي غيرت اسمها ليصير «جفش» [جيش فتح الشام] هجوًما معاكًسا من الجنوب لكسر الحصار في الشمال٬ ذّكر الكثيرين بقصة «انتظرناهم من الشرق فجاءوا من الغرب» في حرب 1967.

الهجوم المعاكس يتم على جبهة بطول 20 كيلومتًرا وبمشاركة عشرة آلاف مقاتل وقيل إنه حقق تقدًما كبيًرا في ريف حلب الجنوبي حيث تمت السيطرة على مواقع مهمة للنظام٬ والهدف هو كسر الحصار وإعادة فتح الطريق إلى الأحياء الشرقية.

وسط هذه التطورات الميدانية الملتهبة٬ والسياسية المتبّدلة بين واشنطن وموسكو٬ شّكلت عملية إسقاط طائرة الهليكوبتر الروسية [8 ­ I M [فوق سراقب المفاجأة الثانية المثيرة٬ مع أنها المرة الثالثة التي يتم فيها إسقاط مروحية روسية في سوريا٬ موسكو أعلنت أن الطائرة كانت في طريق عودتها إلى قاعدة حميميم بعد إيصال مساعدات إنسانية إلى حلب٬ وكشفت «قناة روسيا» أن أنظمة مضادة متنقلة هي التي أسقطتها٬ ما قد يعني ربما أن صواريخ «ستينغر» الأميركية المحمولة على الكتف قد تكون وصلت إلى المعارضة!

وكالة «رويترز» نشرت تقريًرا عن أن الطائرة أسقطت بصواريخ أميركية وصلت أخيًرا إلى المعارضة السورية٬ وكانت مجلة [policy foreign [نشرت في 20 أبريل (نيسان) الماضي٬ تقريًرا عن تلميح مسؤولين أميركيين إلى استعداد واشنطن لتزويد «المعارضة المعتدلة والمؤتمنة» بمنظومات دفاع جوي محمولة على الكتف.

في هذا السياق تردد أن وكالة الاستخبارات الأميركية عمدت سًرا إلى إنشاء برنامج لهذا الغرض٬ وخصوًصا في ظل ميل متصاعد في المستوى العسكري الأميركي٬ إلى فرملة امتهان فلاديمير بوتين للهيبة الأميركية من أوكرانيا إلى سوريا٬ وهذا في رأي دبلوماسيين في بيروت لن يصل إلى مستوى ما فعلته في أفغانستان٬ عندما ساعدت المعارضة على إلحاق الهزيمة بالسوفيات من طريق تزويدهم بالصواريخ المضادة للطيران٬ ولكن على الأقل يهدف إلى إعادة التوازن بما قد يساعد على إنعاش الحل السياسي في سوريا!

لكن المفاجآت لم تتوقف في سوريا فقد أُعلن بعد ساعات على إسقاط المروحية الروسية٬ عن قصف وسط سراقب بعبوات من غاز الكلور السام المحرم استعماله دولًيا٬ ولهذا برزت تساؤلات فورية حول ما إذا كانت روسيا هي التي ردت باستعمال غاز الكلور وتلك مصيبة وفضيحة دولية٬ أو إذا كان النظام قام بهذا ولم يبلغ موسكو فالفضيحة والمصيبة أعظم!

وعندما يعلّق جون كيري على القصف بالغاز قائلاً إذا ثبت هذا فستكون «العواقب خطيرة»٬ من حق الكثيرين أن يتذكروا ما جرى في 21 أغسطس (آب) 2013 عندما قصف النظام غوطتي دمشق بالسلاح الكيماوي وهدده أوباما بضربة موجعة٬ ثم تراجع بعدما أقنعه بوتين بخطة ملتبسة لنزع ترسانة الأسد الكيماوية!

السؤال يصبح ضرورًيا: هل نحن في سوريا أمام غروزني سورية أو أفغانستان روسية٬ أو أن التطورات الميدانية في حلب يمكن أن تنعش المفاوضات السلمية ف «جنيف­3«؟