Site icon IMLebanon

غوانتانامو.. وسوريا

يتناسق كلام الرئيس الاميركي باراك اوباما عن كون معتقل غوانتانامو «نقطة سوداء في سجل الولايات المتحدة الناصع في مجال حقوق الانسان« مع مدوّنة القيم الاميركية التي لا يمكن أحد ان ينكرها.. لكن كيف تتناسق سياسات اوباما في سوريا مع تلك القيم؟ وكيف يمكن اي سوري، ان يتجاهل ان تلك السياسات فعلت فعلها في إطالة امد نكبته، وفي زيادة تعقيداتها وشراستها ودمويتها. وفي دفعها من وضع سيئ الى آخر اكثر سوءاً، وصولاً الى جعل سوريا كلها، اكبر مسرح لانتهاك كل معطى بشري في عالم اليوم؟

ورث اوباما غوانتانامو عن سلفه جورج بوش، مثلما ورث عنه التورط العسكري في افغانستان والعراق. لكن المفارقة هي انه تمكن من الوفاء بوعوده الانتخابية الخاصة بالانسحاب شبه التام من البلدين المأزقين لكنه لم يستطع تماماً الوفاء بوعده الخاص بإقفال ذلك المعتقل وتسريح نزلائه الى دولهم الاصلية او الى غيرها.

غوانتانامو سجن اميركي ضمّ في ذروته بضع مئات من المعتقلين الذين كانوا مع «القاعدة» و»طالبان» في افغانستان.. وسجّلت فيه ممارسات منافية للأصول والكرامات والحقوق البشرية، لكنها لم تصل، في كل حال، الى تلك التي سجلت في «سجن ابو غريب» العراقي وأثارت ما اثارته من زوابع، حافزها الاول، قبل استنكار تأثيراتها على ضحاياها، استنكار الفتك بمدونة القيم الاميركية تلك، وتلطيخ «السجل الناصع الخاص بحقوق الانسان» الذي حكى عنه مستر اوباما!

لكن اذا كان غوانتانامو «نقطة سوداء» عند اوباما فماذا تكون سوريا؟! واذا كان ذلك السجن جزءاً من تركة سلفه بوش، فكيف سينظر خلفه الآتي في مطلع العام المقبل، الى تركته السورية؟! وكيف يمكن للثرثرة المبدئية ان تغطي عن فشل سياسي كارثي اوصل الى تسجيل فظاعات، كان الظن انها انتهت منذ زمن طويل؟!

«سجل حقوق الانسان» في السياسات الاميركية موضع جدل كبير. ولا يمكن سوري او فلسطيني، او ايراني معارض ان ينظر اليه، مثلما ينظر اليه اي شخص آخر في هذا العالم.. لكن، لأنه على ذلك القدر من الارتباط بالقرار الخاص بالتعاطي مع قضايا العالم في دوائر الحكم الاميركي، فان السؤال الراهن عن سوريا، هو في مكانه وتوقيته التامين. ولا يتعارض ذلك مع قرار الانكفاء او «القيادة من الخلف» الذي اعتمده اوباما، بل هو وليد مباشر له!

لم يطلب السوريون ولا العرب ولا كل معني بالنكبة السورية، انزال قوات اميركية لاحتلال سوريا مثلما حصل في العراق! او مثلما حصل في افغانستان! ولم يطلب احد من اوباما شن حرب واسعة النطاق مكلفة ودموية نيابة عن الثائرين السوريين! لكن تحت ذلك السقف، كانت المطالب اكثر تواضعاً بكثير! وتضمنت على سبيل المثال وليس الحصر، «السماح» لغير الاميركيين بمساعدة السوريين على اختصار نكبتهم! وتقليص خسائرهم الكارثية! ووضع حد لعربدة وحشية حولتهم الى ضحايا وسبايا ولاجئين في كل ارض! عدا تحويل بلدهم الى مرتع لكل أفّاق وعبثي وموتور وارهابي ومجرم!

.. اذا كانت غوانتانامو «نقطة سوداء» ورثها اوباما عن سلفه، فان سوريا، وفق القياس الخاص بـ»حقوق الانسان»، هي بحر من ذلك السواد الذي سيورثه هو الى خلفه!