لن يمرّ نهار انتخابات نقابة المحامين الأحد المقبل بهدوء. يُرتقب أن تشعل «قضية التأمين»، التي يضجّ بها محامو بيروت، جلسة الانتخابات المنتظرة
تشهد نقابة المحامين في بيروت انقساماً حادّاً حيال ما بات يُعرف بـ«قضية التأمين»، الملف الأكثر شهرة في أوساط المحامين هذه الأيام. يُحكى أنّ نقيب المحامين الأسبق جورج جريج وقّع عقد تأمين مع شركة «Globemed Lebanon»، تسبّب في إيقاع صندوق نقابة المحامين تحت عجز بلغ أربعة ملايين ونصف مليون دولار.
ويقول المحامون المعارضون لتوقيع العقد إنّ استمرار سريانه يُكبّد النقابة خسارة يومية قدرها ١٣ ألف دولار. «فريق الاتهام» يُلمّح إلى «صفقة مشبوهة» أُبرِمت تحت الطاولة، تورّط فيها النقيب السابق، وإلّا ما كان ليوقّع عقداً كهذا. غير أنّ النقيب جريج، في اتصال مع «الأخبار»، آثر «التزام الصمت احتراماً لقرار النقيب الحالي أنطونيو الهاشم ريثما يصدر بيان يوضح الحقيقة». وإذ رأى جريج أنّ كل ما يُتداول غير صحيح، رفض الردّ على الاتهامات التي تُساق ضده، معتبراً أنّ القضية لا تُحلّ بهذه الطريقة. ووسط الاتهام والرد، يبرز طرفٌ ثالث يرفض اتهام جريج، لكنه يرى أن توقيع العقد كان فيه تسرّع، وإلا لما بلغ العجز هذا الرقم الذي بلغه.
في موازاة ذلك، يُرتقب نهار الأحد صدور بيان عن الهاشم لتوضيح ملابسات هذه القضية. وتنقل مصادر النقابة لـ«الأخبار» أنّ نقيب المحامين سيُصدر بياناً توضيحياً للجمعية العامة، الأحد، بالأرقام الحقيقية للخسائر والأسباب المؤدية إليها والجهات التي تتحمّل المسؤولية، كاشفة أنّه «بعدما كان مقرّراً أنّ تُبتّ المعالجة نهار الأحد، تقرر إرجاء الحل إلى ما بعد الانتخابات». وتقول المصادر إن «النقيب كان في صدد الموافقة على عرض مقدّم من شركة التأمين نفسها موضوع الأزمة، إلا أن النقباء السابقين وخمسة أعضاء عارضوا الطرح لاعتبارهم أنّ الموافقة عليه تحمل تسرّعاً يعادل التسرع في توقيع العقد»، لذلك تقرر إرجاء المعالجة. أما تفاصيل العرض المقدّم، فتقول المصادر إنّ «الشركة عرضت تحمّل الخسائر كاملة بشرط تمديد العقد معها ثلاث سنوات»، وهذا ما رأى فيه النقباء السابقون مثار شبهة، إذ كيف يُعقل لشركة تأمين تبغي الربح أن تتحمّل أعباء خسارة وتُرتّب على نفسها خسارة كهذه، إن لم يكن هناك نفعٌ مرتجى.
وحصلت «الأخبار» على نسخة من «عقد التعاون» الموقّع بين نقابة المحامين و«غلوب مد لبنان»، إضافة إلى المذكرة التي قدّمها المحامي بالاستئناف إبراهيم مسلم مفنِّداً فيها ما يعتبره مخالفات مرتكبة. وقد انطلق مسلّم من اعتباره أنّ الإدارة الذاتية لهذا المشروع كانت تفترض أنه «سيحقق وفراً»، سيكون نواة احتياط سيُستعمل لتقديم خدمات إضافية للمحامين. غير أنّ ما حصل كان العكس وتسبّب في عجز كبير. وقد تقدّم مسلم بمذكرته إلى النقابة، عارضاً المشاكل ومقترحاً الحل الذي يفترضه للخروج من الأزمة. وإذ ينطلق المحامون المعترضون من عدم وجود شفافية، يقولون إنّ «النقيب لا يملك الصلاحية وليس لديه صفة للتوقيع على هذا النوع من العقود». أما في ما يتعلق بمعالجة الأزمة، فيأخذ هؤلاء على النقيب الهاشم عدم الإعلان عن أسباب الخسارة. وتقول: «خسرنا قرابة ٥ ملايين دولار… ليش خسرنا؟ لازم يقلنا؟». ويُبدي المحامون المعترضون استغرابهم من قرار شركة التأمين مسامحتهم بمبلغ يناهز ٥ ملايين دولار! ويتحدث أحدهم عن إخفاء مستندات في عروضات أخرى مقدمة. على سبيل المثال شركة Best assistance، أشارت في العقد إلى «الحسومات على حجم الاعمال السنوية». وتذكر المصادر أن الشركة قدمت عرضاً تعطي بموجبه ٩٠٪ من الحسومات المستحصل عليها من المستشفيات وفقاً لجدول الحسومات. غير أنّ العرض سُلِّم للنقباء السابقين من دون جدول الحسومات! وتقول المصادر: «فاتورتنا الحقيقية تبلغ نحو ١٨ مليون دولار، ونحن جمعنا ٢١ مليون دولار… أين هذا المبلغ؟». وتضيف المصادر: «هذا العقد يفترض أن يؤمن للنقابة ٢١ مليون دولار ونصف مليون… وقد جاءت الكلفة السنوية لغاية نهاية آذار الماضي خمسة وعشرين مليوناً وتسعماية وسبعة وثمانين ألفاً وسبعماية وواحداً وسبعين دولار. وبالتالي، يبلغ العجز 4 ملايين و527 ألفاً و548 دولاراً». وترى المصادر أنّ «تنفيذ الشركة لمضمون العقد يسمح بالاستفادة من الحسومات، فلماذا لم تستفد منها وأين هو جدول الاسعار التفضيلية المخفي؟». لا تنتهي المسألة هنا. يقول المعترضون إنّ العقد مخالف لدفتر الشروط الذي استُدرجت العروض على أساسه.
هذا الرواية يقدّمها أحد طرفي النزاع في نقابة محامي بيروت. النقابة التي تأسست في عام ١٩٢١، وتشارف على أن تبلغ المئة من العمر، لم يسبق أن مرّ عليها منذ تأسيسها فضيحة بهذا الحجم. فضيحة إذا لم تُستدرك تُهدد ثمانية آلاف محام مسجّلين في جدول النقابة. غير أنّ الحقيقة لا تزال ناقصة في انتظار الرواية الثانية التي لا تزال في دُرج نقيب المحامين أنطونيو الهاشم، والتي لم يُكشف عنها بعد، في انتظار الأحد المقبل.
القوات والتيار معاً… فهل تنضم أمل؟
على وقع الكباش الحاصل في مجلس النقابة، تُطبَخ انتخابات عضوية المجلس على نارٍ حامية. وفي ضوء مستجدات المعركة الانتخابية، وفيما يتحدث محامون عن وجود اتفاق غير مُعلن بين القوات والتيار الوطني الحر لدعم مرشحيهما، تؤكد مصادر التيار الوطني الحر لـ«الأخبار» «حصول اتفاق بين محامي التيار والقوات اللبنانية على خوض انتخابات العضوية بمرشحيهما المحاميين ربيع معلولي (عوني) وعبدو لحود (مدعوم من القوات)». وتتحدث المصادر عن استمرار التواصل مع كل من تيار المستقبل وحركة أمل لتشكيل رباعي قادر على الفوز بهذه المعركة. غير أنّ مصادر مقابلة تحدثت عن اتفاق مماثل بين حركة أمل وحزب الكتائب (مرشحاهما المحاميان جورج اسطفان (الكتائب) وعلي عبدالله (أمل)). غير أنّ الماكينات الانتخابية للمحامين ترى أنّ «قضية التأمين» ستنعكس سلباً على اسطفان، باعتبار أنّ المسؤولية المعنوية جراء توقيع العقد تلقى على النقيب السابق جريج المحسوب على حزب الكتائب. وفي انتظار جلاء التحالفات، يبقى في كل لائحة اسمان شاغران يُنتظر الاتفاق معهما لخوض المعركة. أما في خانة الانسحاب من السباق الانتخابي، فقد سُجِّل انسحاب جديد للمحامي أسعد سعيد.