أجاب الباحث التركي العامل حالياً في مركز أبحاث أميركي جدّي عن سؤال: لماذا اختلف أردوغان وغولن وتعاديا؟ قال: “مع الوقت كبُر رأس غولن! صار يريد أن يعيّن له أردوغان ناساً في مواقع حسّاسة داخل الإدارة منها الأمن والقضاء. عمل دولة داخل الدولة، فطار صواب أردوغان وبدأت المعركة بينهما. لا شك في أن غولن أخطأ. لكن أردوغان مخطئ بقدره إن لم يكن أكثر. والمعركة بينهما مستمرة. أنا كنت مع أردوغان وعضواً في حزبه. تركت بعد التظاهرات الكبيرة التي سارت في اسطنبول وتمّ قمعها بالقوة بتعليمات مباشرة منه. قُتل فيها نحو ثمانية أشخاص و11 شخصاً أو أكثر فقدوا عيناً وأربعة آلاف على الأقل جُرحوا. وعندما كان يُقال له: “لا يجوز ذلك”، كان يجيب: “هم مجموعة زعران نستطيع التخلُّص منهم بيومين”. المستبدّون يتصرّفون مثل بعضهم. يتوهّمون أن لهم قوة أكبر من التي عندهم حقيقة، ولا يحسبون بدقة. يقعون ويوقعون البلاد معهم. تركت حزب أردوغان وصرت معارضاً. لكن أحزاب المعارضة القديمة مهترئة. في الانتخابات المحلية العام الماضي حصل تزوير. وهناك انتخابات نيابية قريباً. إذا نجح أردوغان في الحصول بواسطتها على غالبية الثلثين فإنه سيعدِّل الدستور ليصبح النظام رئاسياً. علماً أنه يمارس هذا النظام اليوم خلافاً للدستور”. ما رأيك في موضوع الأكراد الأتراك؟ ساعةً هناك تفاوض معهم وحديث عن اقتراب الحلول، وساعةً هناك تشدُّد من السلطة. وماذا عن أكراد العراق؟ هل تقوم لهم دولة؟ العراق دولة مقسَّمة عملياً ومهرهرة، علماً أن أميركا لا تفرِّط بوحدة العراق على حدّ قولها. أجاب: “أميركا مع وحدة العراق صحيح. لكنها أيضاً مع فيديراليته لأنها تعرف أن الدولة المركزية القوية فيه لن تقوم بعد اليوم. أي يُعنى الأميركيون بالوحدة الفيديرالية. وهي صيغة وحدوية في رأيهم رغم معرفتهم أن نجاحها يقتصر عادة على دول العالم الأول أي المتقدم. أما في العالم المتخلِّف فإنها تقسيم مقنَّع. في العراق تقوم كردستان الدولة المستقلة إذا تقسَّم. وإذا بقي “موحّداً” يقوم كيان كردي شبه مستقل”.
“ماذا تفعل تركيا بأكرادها إذا أرادوا فيديرالية”؟ سأل. أجبتُ: لم تعد تركيا قادرة على منع نشوء كردستان العراق الدولة أو الاقليم في فيديرالية. ولم تعد تستطيع حتى أن تمنع اللامركزية لأكراد سوريا. من مصلحتها أن تسارع إلى تسوية مع أكرادها (حزب العمال الكردستاني وزعيمه المسجون أوجلان) اليوم قبل الغد. وذلك يجعلها فعلاً دولة قوية ولاء كل مكوِّناتها لها. وأنت بنفسك قلتَ إنها بلد تعدّدي يضم أتراكاً سنّة وعلويين وأكراداً وبقايا مواطنين من دول كانت يوماً جزءاً من السلطنة العثمانية. علَّق: “لكن كلمة فيديرالية غير مقبولة في تركيا”. ردّيت: استعملوا الصيغة اللامركزية أو كلمة لامركزية واعطوا الأكراد حقوقهم. قال: “لأول مرة سيقدِّم حزب كردي – تركي مرشحين له في الانتخابات النيابية على أساس أنه حزب كردي، وليس حزباً مستقلاً كما كان يحصل في الماضي. وهذا أمر يساعد. غزو العراق كان خطأ أميركياً كبيراً”.
ماذا عن أتراك أميركا الموالين لفتح الله غولن زعيم حركة “حزمت” الذي يحاربه أردوغان؟
قال مسؤول بارز فيها في بداية اللقاء “إن عندها 220 جمعية في الولايات المتحدة هدفها معالجة الفقر وقلة التعليم والثقافة وتفسُّخ الوحدة عند المسلمين”. ثم تحدَّث عن غولن فقال: “أتى من تركيا إلى أميركا في أواخر ثمانينات القرن الماضي على الأرجح. كانت عليه قضية أمام القضاء مرفوعة من السلطة فآثر ترك البلاد لعدم ثقته بالعدالة فيها وبمحاكمها. لكنه موجود فيها بمدارسه وحركته وكما في بلدان أخرى كثيرة إسلامية وغير إسلامية. يتّهمه أخصامه اليوم داخل تركيا وحلفاؤهم خارجها أنه صار مع أميركا ويتبنى سياستها المعادية للمسلمين إجمالاً. ويتهمونه أيضاً بأنه ينفِّذ استراتيجيا فاتيكانية تهدف إلى تهيئة الظروف لاعتناق الأتراك المسيحية. ويتهمونه ثالثاً أنه ينفِّذ مشروعاً إيرانياً – سعودياً. ويقولون إن لا مصلحة للمنطقة في كل ذلك. كيف فكَّروا أن إيران والسعودية يمكن أن تتفقا على أمر ما وهما أعداء منذ انطلاق ثورة الخميني عام 1979؟ غولن مؤمن بفكر النورسي. وهو داعية”. سألتُ: هل اتفق مع أردوغان على سياسة معينة أو برنامج كأساس للتحالف بينهما؟ أجاب: “غولن لا يقابل أحداً أو بالأحرى لا يطلب أن يقابل أحداً. رؤساء الأحزاب والشخصيات هم الذين يطلبون مقابلته. في هذا الإطار التقى أردوغان”. ماذا جرى بينهما؟ سألتُ؟