تثير الإجراءات التصعيدية للدول الخليجية لا سيما السعودية مخاوف وقلق اللبنانيين من مخاطرها على الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي وعلى تواجد اللبنانيين في هذه الدول لا سيما ان هذه الإجراءات تستعمل كأداة ضغط سياسي على لبنان.
يرتبط الاقتصاد اللبناني بشكل وثيق باقتصادات دول الخليج وقد تظهر انعكاسات الإجراءات على الشكل التالي:
١ ـ سحب دول الخليج ودائعها من المصرف المركزي اللبناني: لا يهدد سحبها الاستقرار النقدي لانها تقل عن 900 مليون دولار (السعودية 200 مليون دولار)، ولان مصرف لبنان يملك احتياطات ضخمة بالعملات الاجنبية تناهز 38 مليار دولار ولان القطاع المصرفي يملك سيولة مرتفعة بالعملات الاجنبية تقارب 40 % من اجمالي الودائع.
٢ ـ سحب المستثمرين السعوديين ودائعهم من المصارف اللبنانية: وضعت ودائع المستثمرين السعوديين في المصارف اللبنانية لاسباب اقتصادية ومالية وليس سياسية، أي للاستثمار ولانجذابها الى الفوائد المرتفعة ومتانة القطاع المصرفي اللبناني وانتشاره الخارجي ومرونة التعامل معه. في الوقت عينه، هناك صعوبة في تحديد حجمها بسبب السرية المصرفية ولكن الودائع غير المقيمة تشكل حوالي 20 % من اجمالي الودائع، اي ما يقارب 30 مليار دولار، ويقدّر ان يصل حجم ودائع المستثمرين السعوديين الى أقل من 4 مليارات دولار خصوصا ان غالبية الودائع غير المقيمة تخص لبنانيين غير مقيمين.
٣ ـ حظر السياحة الخليجية الى لبنان: تراجعت السياحة الخليجية في الاعوام 2010 ـ 2015 حوالي 60 %(من حوالي 380 الف سائح خليجي في 2010 الى أقل من 140 الف سائح في 2015) بسبب التوترات السياسية والامنية في لبنان وإقفال المعابر البرية بين لبنان ودول الخليج اضافة الى حظر الدول الخليجية سفر رعاياها الى لبنان.
وتمثل السياحة الخليجية أقل من 9 % من اجمالي السياح في 2015 مقابل حوالي 18 % في 2010، ما يدل على قدرة استيعاب القطاع السياحي لتأثيرات حظر الدول الخليجية مجيء رعاياها الى لبنان.
٤ ـ التبادل التجاري بين لبنان والدول الخليجية: بلغت قيمة الصادرات اللبنانية حوالي 27 % من اجمالي الصادرات في 2015، أي ما يقارب 753 مليون دولار(السعودية 12 %) وبلغت الواردات حوالي 1.175 مليار دولار ونسبتها 6.75 % من اجمالي الواردات. ويكون الميزان التجاري اللبناني قد سجل في 2015 عجزا يقارب 422 مليون دولار.
نجد صعوبة في ان تتأثر الصادرات اللبنانية الى دول الخليج بسبب العلاقات التجارية التاريخية المميزة بين لبنان والخليج.
٥ ـ تجميد الاستثمارات الاجنبية المباشرة: تراجعت الاستثمارات الاجنبية المباشرة بشكل كبير في فترة 2010 – 2015 من 4.9 مليارات دولار الى حوالي 2.7 مليار دولار، أي ما نسبته 45 % بسبب تفاقم الاوضاع السياسية والامنية في لبنان ونتيجة تداعيات الأزمة السورية وقلق المستثمرين الخليجيين الذين كانوا يستثمرون في قطاعي السياحة والعقارات.
وقد طال هذا التراجع بشكل رئيسي استثمارات الشركات الخليجية التي انخفضت حصتها من اجمالي الاستثمارات الاجنبية الى اقل من 28 % في 2014 مقابل 57 % للشركات الاوروبية.
وتبلغ الاستثمارات الخليجية في لبنان حوالي 15 مليار دولار موجهة غالبيتها نحو القطاعين السياحي والعقاري (أكثر من 75 %)، منها حوالي 6 مليارات دولار للسعودية و 3.3 مليارات دولار للامارات.
٦ ـ خفض تحويلات اللبنانيين: تظهر التحويلات في فترة 2010 ـ 2015 ثباتا لجهة عدم تأثرها بالازمة السورية والاضطرابات الاقليمية وانعدام الاستقرار الداخلي، اذ راوحت بين 6.91 مليارات دولار في 2010 و7.5 مليارات دولار في 2015.
وتشكل الدول الخليجية المصدر الرئيسي لهذه التحويلات اذ تقارب 58 % من إجمالي التحويلات، أي ما يعادل 4.5 مليارات دولار في 2015 (23 % من الإمارات، 16.5 % من السعودية، 8.3 % من قطر، 7.8 % من الكويت)
وتتأثر تحويلات اللبنانيين من الاجراءات الخليجية نتيجة قرار إبعاد اللبنانيين من هذه الدول وتقلص العلاقات الاقتصادية والمالية بين لبنان ودول الخليج، ومن المقدر أن ينعكس خفضها سلبا على نمو القطاع المصرفي وعلى مداخيل العائلات وعلى النمو الاقتصادي.
٧ ـ ترحيل العمالة اللبنانية من الخليج: يبلغ عدد اللبنانيين في الخليج حوالي 500 الف لبناني منهم حوالي 360 الفا يعملون في هذه الدول ويتوزعون على الشكل التالي: حوالي 250 الفا في السعودية و120 الفا في الامارات.
وشكلت منطقة الخليج في العقدين الاخيرين السوق الرئيسي لعمل اللبنانيين لا سيما الجامعيين وذوي المهارات والخبرات العالية الذين ساهموا في بناء هذه الدول ونهضتها ونموها.
ومن المتوقع أن تتسبب اجراءات ترحيل اللبنانيين بأزمة سياسية واجتماعية كبيرة في لبنان قد تهدد الاستقرار الداخلي وتصيب جميع اللبنانيين من دون استثناء، كما يؤثر ترحيلهم على اقتصادات الدول المضيفة لهم لانه من الصعوبة بمكان استبدالهم بكفاءات وخبرات مماثلة.
يعود التوتر الحاصل بين لبنان ودول الخليج الى اسباب سياسية حيث يستعمل الاقتصاد والوجود اللبناني فيها كآداة ضغط. يقتضي على الحكومة والقوى السياسية تهدئة الامور والتحرك لحل أزمة متفجرة قد تطيح الاستقرار الاجتماعي والامني الداخلي.
(&) خبير مالي واقتصادي