مع تصاعد وتيرة الإجراءات الخليجية ضد لبنان والتي كان آخرها طلب المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين والكويت من رعاياها مغادرته ومنع زيارته، تزداد المخاوف من اكتمال الحصار السياسي والاقتصادي الخليجي على هذا البلد، رداً على استمرار «حزب الله» وبعض حلفائه في الحملة على المملكة العربية السعودية، مع ما لذلك من انعكاسات بالغة السلبية على لبنان وعلى أبنائه المقيمين في الدول الخليجية، في الوقت الذي يجهد رئيس الحكومة تمام سلام لرأب الصدع والتخفيف من آثار تداعيات الإجراءات الخليجية عبر الاتصالات التي يقوم بها في أكثر من اتجاه، في إطار التحضيرات التي يجريها تمهيداً للقيام بجولة خليجية استناداً إلى ما كلّفه به مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، حيث التقى لهذه الغاية أمس، السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري وبحث معه في هذا الموضوع، بعدما سلمه رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، رفض السفير عسيري الكشف عن مضمونها. وإذا كان الرئيس سلام يعلّق أهمية كبيرة على هذه الزيارة لشرح الموقف اللبناني بإسهاب وتأكيد التضامن الكامل مع المملكة العربية السعودية والدول الخليجية، إلا أن تصاعد وتيرة الإجراءات الخليجية يثير الكثير من المخاوف على صعيد مستقبل العلاقة اللبنانية الخليجية ولا يساعد على التفاؤل بإمكانية حصول زيارة سلام في وقت قريب، في ظل تصاعد حدة الاستياء الخليجي من أداء الحكومة وعجزها تالياً عن وقف تعرض «حزب الله» للمملكة وأشقائها الخليجيين، مع أن الرئيس سلام وغالبية مجلس الوزراء لم يتركوا مناسبة، إلا وأكدوا من خلالها حرص لبنان على علاقاته العربية الوطيدة مع أشقائه وتحديداً الخليجيين الذين ما تركوه يوماً، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي لها مكانة خاصة في قلوب اللبنانيين الذين يقدرون دور القيادة السعودية وكل دول الخليج في مد يد العون للبنان على مدى سنوات طويلة قبل الحرب وبعدها، وبالتالي فإن الرئيس سلام كما تقول مصادر وزارية قريبة منه لـ«اللواء» سيحاول جاهداً حث القيادة السعودية، وعلى رأسها الملك سلمان بن عبد العزيز، بالعودة عن قرار وقف تنفيذ هبة الـ4 مليارات، خاصة وأن القيادة السعودية كما كل الدول الخليجية تتفهم ظروف لبنان الداخلية، وبالتالي فإن أي موقف قد يتخذه فريق لبناني ضد المملكة أو أي بلد خليجي آخر لا يعبّر مطلقاً عن موقف الحكومة وباقي الشعب اللبناني.
وتلفت المصادر إلى أن لبنان لا يمكن أن يفرّط بالعلاقات المميزة التي تجمعه بالأشقاء الخليجيين وفي مقدمهم المملكة العربية السعودية، ولذلك سيعمل بكل إمكاناته من أجل أن تستعيد هذه العلاقات زخمها، باعتبار أن دول الخليج بمثابة الرئة التي يتنفس منها لبنان، سيما وأنها تستضيف ما يزيد عن نصف مليون لبناني يرسلون إلى وطنهم الأم ما يقارب الـ7 مليارات دولار سنوياً، وهذا رقم ضخم لا يمكن الاستهانة به في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، ولذلك فإن من مصلحة لبنان أولاً وأخيراً ألا تتوتر علاقاته مع الدول الخليجية، لأن هناك مخاطر قد تلحق برعاياه في هذه الدول وهذا ما تدركه الحكومة اللبنانية التي ستحاول خلال زيارة الرئيس سلام المنتظرة، تنظيف العلاقات من كل الشوائب التي لحقت بها في الآونة الأخيرة، والتأكيد على أن موقف لبنان متضامن إلى أقصى الحدود مع المملكة العربية وأشقائها الخليجيين وإن هناك موقفاً واحداً تعبّر عنه الحكومة اللبنانية وليس أي طرف لبنان آخر.
وتكشف المصادر أن بيان مجلس الوزراء السعودي الأخير أبقى الباب مفتوحاً على إمكانية أن يصار إلى إعادة الاعتبار للهبة السعودية للبنان، أي أن تبادر حكومة المملكة إلى العودة عن قرارها، خاصة وأن قادة الخليج يكنّون احتراماً كبيراً للرئيس سلام والذي يبادلهم المشاعر نفسها، وبالتالي فإن الأمل كبير بأن تزول غمامة الصيف هذه وتعود المياه إلى مجاريها، باعتبار أن البيان الذي صدر عن الحكومة كان بإجماع الوزراء وهو يشكل قناعة راسخة من جانب جميع الوزراء كما الشعب اللبناني بالحرص على أفضل العلاقات مع السعودية وكل الدول الخليجية.