لم ينس اللاعبون الكبار على الحلبة المحلية الايام السود التي عصفت بالبلد في حروبه العبثية في سبعينات القرن الماضي ولا تزال تداعياتها وتردداتها تتناسل حتى يومنا هذا، واذا كان المسلسل الدموي قد انتقل الى معظم دول المنطقة على غرار السيناريوهات التي عايشتها الساحة المحلية، فان «اللعنة اللبنانية» لم ترحم كل الانظمة والدول التي تقاتلت عندنا وفق الاوساط المواكبة فتحولت حروبها بالواسطة على صدامات مباشرة بين شعوبها وفق المثل المعروف: «طابخ السم آكله». ولكن الفارق بين الاثنين ان الحروب الاهلية اللبنانية وان فتحت ملفي التهجير والهجرة، الا انها لم تنتج نزوحاً كما هو حاصل الان حيث بلغ عدد النازحين السوريين الى لبنان اكثر من مليون ونصف مليون نازح، ناهيك بالذين فروا الى اوروبا عبر موجات بشرية لم يشهدها العصر الحالي اوا ي عصر آخر، باستثناء مجازر الارمن واقتلاعهم من جذورهم على يد الاتراك الذين كانوا ولا يزالون صناع المآسي في المنطقة، ولعل اللافت في هذه المرحلة ان الهدنة على خطوط التماس داخل المناطق السورية التي فرضها التفاهم الاميركي – الروسي تتزامن وبطريقة غير بريئة بمحاولة السعودية تحريك الفتنة في لبنان وتحويل الاحتقان المذهبي الى اقتتال تعويضا عن هزائمها في الميدانين السوري واليمني في محاولة منها للانتقام من «حزب الله» بعدما ادرجته على لائحة الارهاب حيث تسعى المملكة الى فرض موقفها هذا على جامعة الدول العربية وصولا الى رفع المسألة امام المحافل الدولية وفي طليعتها مجلس الامن ما يعني ان ما تشهده الساحة المحلية لا يزال اول الرقص بدءاً من ايقاف «المكرمة» المزعومة لتسلحي الجيش اللبناني والقوى الامنية وصولا الى الحملات الاعلامية عبر وسائلها على «حزب الله» بلغت فيها الوقاحة الى تناول الامين العام «لحزب الله» السيد حسن نصر الله بشريط تهكمي كاد يشعل الفتنة، ولم يتورع وزير الثقافة السعودي من تناول وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل محملاً اياه المسؤولية على قاعدة التحالف بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» والذي لم تهضمه، المملكة منذ توقيع «ورقة التفاهم».
وتقول الاوساط ان عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت لم تكن وفق قراره بل امليت عليه من قبل السعودية بل هي اشبه بترحيله منها وان مواقفه في الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد والده الرئيس رفيق الحريري ضد «حزب الله» وايران واطلاقه عريضة المليون توقيع لم تشفع له حتى الان في المملكة التي تعمل الآن وفق المعلومات الى دعم الجماعات الاسلامية المتطرفة تمهيدا لتحريك الشارع السني ودفعه باتجاه العنف بتفجير الاحتقان الشيعي – السني، لكن حكمة الحزب تحول دون ذلك حتى الآن، فالمجريات على الرقعة المحلية تشير الى ان الحريري مغلوب على امره، كما ان وضعه المالي الحرج يعود الى عدم دفع المملكة التزاماتها المالية لشركة «سعودي اوجيه» ما يؤكد ان المملكة لم تعد تعتبر الحريري حصانها الرابح على الحلبة السنية في لبنان وربما هذا الوضع يقلق بشكل كبير رئىس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي تنطح للدفاع عنه واصفا اياه بالاعتدال.
وتشير الاوساط الى ان موقف السعودية تجاه لبنان يترافق مع امور كثيرة تثير الريبة وعلامات الاستفهام وسط كلام عن قيام جمعيات خليجية غير رسمية باحصاء الذكور في مخيمات النازحين السوريين خصوصا الذين ادوا الخدمة الإلزامية في صفوف الجيش السوري، اضافة الى تسجيل المراقبين لظواهر داخل هذه المخيمات لم تكن معهودة قبل الموقف السعودي ومنها على سبيل المثال لا الحصر ان الشباب في معظمهم يسهرون حتى الصباح وكأنهم في شهر رمضان لا سيما في منطقة الشمال وسط قلق يسود البلدات التي استقبلت النازحين حيث لا يخفي سكانها ان تتحول الى عرسال ثانية في زمن الفلتان والفوضى.