Site icon IMLebanon

التنافس الخليجي بين الإنكفاء الداخلي والإستثمار الخارجيّ

 

 

لطالما شكّل الإستثمار الخارجي، سواءً كان الثقافي أم الإقتصادي أداة جَذبٍ سياسيّة تعتمدها الدول في قوتها الناعمة، كواحدة من اللغات أو الأدوات السياسيّة المعتمدة. ولطالما شكّل التنافس بين الفرنكوفونية والأنغلوسكسونية واحداً من المشاهد في مسلسل هذا النزاع العميق الذي يبدأ في الثقافات ليصل إلى الحضارات. ومن هنا يأتي التوغل الثقافي الصيني- الروسي، ليكمّل هذا المشهد من خلال المراكز الثقافيّة والمنح الجامعيّة وتعليم اللغة، كوسيلة لفرض الهيمنة أو المونة الثقافية إلى جانب تلك السياسيّة والإقتصاديّة.

في السنوات الأخيرة بدأ الإنقسام يظهر واضحاً بين الدول العربيّة، الإمارات والسعوديّة مع قطر من جهّة والإمارات والسعوديّة في ما بينها من جهّة ثانية، على خلفياتٍ ثقافيّة دينية سياسيّة وأبرزها اقتصاديّة، كونها جميعها تشكّل الثقل الاقتصادي الأبرز على الساحة الدولية، لامتلاكها مصادر الطاقة الأساسيّة التي تشكّل العمود الفقري للإقتصاد العالمي.

 

برز في الخطوط العريضة للسياسة السعودية، وخصوصاً مع رؤية ولي العهد الامير محمد بن سلمان، 2030، الطابع الداخلي والإهتمام بإعادة تكوين منابع الإقتصاد وعدم الإعتماد على النفط كمصدر رئيسي أو وحيد له، من جهة، وجَعْلِ السوق السعودية أكثر جاذبية للإستثمارات والشركات العالميّة، من خلال تطوير البنية التحتية ومنها التكنولوجيّة، وسياسات الجنات الضريبية والخدمات الإستثمارية المتنوعة، لإحياء التنافسيّة الإيجابية بين الدول الخليجية على صدارة أرقام الجذب والنموّ والتطور والناتج المحلي والدخل الفردي والاحتياط النقدي وصناديق الإستثمار والرفاه.

 

صناديق الإستثمار العربية هي الأولى في العالم، حيث يبلغ مجمل استثماراتها اختصاراً 11،1 تريليون دولار موزعة على استثمارات متنوعة في أميركا الشمالية بشكل أساسي، وأوروبا تليها آسيا وإفريقيا بنسبٍ متفاوتة، وتعتبر هذه الصناديق الصراف الآلي للإقتصاد العالمي والمحرّك الرئيسي للعجلة الإقتصادية العالمية.

 

بالعودة الى الرؤية السعودية التي أولت الاهتمام الى الداخل، من دون اهمال الإستثمارات الخارجية والتي رفعت قيمة الأصول العائدة لصندوق الاستثمارات العامة PIF إلى 700 مليار دولار، إلاّ أنّ وجهة هذه الاستثمارات اختلفت بحسب المناطق، تراجعت في الدول العربية وزادت في مناطق أخرى من العالم، مما فتح شهيّة دول خليجيّة أخرى كالإمارات للدخول الى السوق العربي بنحو أوسع، ومن هنا يأتي اهتمامها المتزايد بإعادة الإعمار في سوريا، وبالإنعاش الإقتصادي في مصر، من خلال دفعة أولى سُدّدت منذ ساعات قيمتها 5 مليارات دولار، وكذلك الأمر ما قد يبدو أنّه اهتمام متزايد في السوق اللبنانية من جهة قطر، وخصوصاً في قطاع الطاقة الموعود الذي يسجّل للمفارقة غيابين أساسيين غير مبررين، الأميركي والسعودي، وقد يكون لحضورهما فيما لو حصل، دفع إيجابي في تسريع بدء العمل في هذا القطاع الحيوي الذي يُعتبر اليوم بارقة الأمل وخشبة الخلاص الوحيدة للبنان.

قد تُبقي السعودية على سياسة انكفائها السياسي والإقتصادي عن الجوار والمحيط العربي، بهدف تعزيز المنافسة الداخلية، وقد تُعيد النظر في هذه السياسة وتعيد المياه في مجاري الاستثمار في الدول العربية منها لبنان وسوريا ومصر والعراق، وكلها أسواق فارغة عطشة وواعدة، وتنطوي على وجهتين، واحدة منها اقتصادية والثانية سياسية، بحيث أنّه، أينما يحلّ الاستثمار الاقتصادي تظهر النتائج السياسية، وقد تعيد المملكة بعضاً من التوازن بين اهتماماتها الداخلية، ودورها الكبير على الساحة الخارجية الاقليمية، ولا سيما منها العربية، بحيث أنّ الفراغ العربي تملؤه الدول غير العربية في المنطقة، وهذا ما حصل في سوريا مثلاً، عندما حلّت إيران وتركيا بدلاً من السعودية والإمارات، والفراغ السعودي تحاول تغطيته الدول العربية أو الخليجية الأخرى، وهذا ينعكس على الإقتصاد في شكل صحيح، كما وعلى النفوذ والمونة السياسية المباشرة.