كان لبنان بنداً ثابتاً في مقرّرات الإجتماعات العربية، على مستوى القمة، أو على مستوى اللقاءات الإقليمية. وكان المسؤولون العرب يتمسّكون دائماً بوحدة لبنان وباستقلاله وبحقّه في استرداد ما تبقّى من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والغجر، ويؤكّدون استعدادهم لدعم الإقتصاد والاستثمار في لبنان، ويتعهّدون تقديم الودائع والمنح والمساعدات المالية، وتشجيع رعاياهم على المجيء الى وطنهم الثاني، وطن الأرز.
الّا أنّ هذه السياسة تبدّلت منذ سنوات، مع تصاعد النزاعات داخل البلدان العربية، وبينها وبين إيران، ودخول الجمهورية الإسلامية طرفاً في تلك النزاعات، من البحرين الى سوريا والعراق ولبنان، وصولاً الى اليمن. وأدّى اصطفاف لبنان الرسمي الى جانب ايران ومِحورها الممانع، الى انكفاء عربي ملحوظ عن الإهتمام بهذا البلد، خصوصاً من جانب الدول العربية الخليجية، التي اكتفت بمبادرات الدعم الإنساني الإغاثي، خصوصاً في المجال الصحّي والإغاثي إثر تفجير مرفأ بيروت، وتقديم المساعدات للاجئين السوريين بما يخفّف العبء عن كاهل المجتمعات اللبنانية المحلية.
وأبلغ إشارة الى تراجع الإهتمام العربي بلبنان، ما ورد في بيان اجتماع قمّة دول مجلس التعاون الخليجي قبل أسبوع بشأن الحالة اللبنانية. فقد خصّصت القمّة لبنان ببند وحيد من بنود بيانها الـ 117، وجاء البند في فقرة واحدة: “تابع (المجتمعون) التطورات وأكّدوا مواقف مجلس التعاون وقراراته الثابتة بشأنه (لبنان)، وحرصه على أمنه واستقراره ووحدة أراضيه، وعلى انتمائه العربي واستقلال قراره السياسي، والوفاق بين مكوّنات شعبه الشقيق، مُعرباً عن أمله في أن يستجيب اللبنانيون لنداء المصلحة العليا، والتعامل الحكيم مع التحدّيات التي تواجه الدولة اللبنانية، وبما يلبّي التطلّعات المشروعة للشعب اللبناني”.
يعكس موقف مجلس التعاون موقف الشريحة الأوسع من الدول العربية، من الخليج الى الأردن ومصر والمغرب، ويلتقي مع الموقف الدولي، الذي ما زال ينتظر أن يعمل المسؤولون اللبنانيون بما يخدم بلدهم، وليس بما يمليه الآخرون. الّا أنّ المشكلة هي في هؤلاء المسؤولين بالضبط، الذين لا يثق بهم شعبهم ولا الخليج أو العالم، والذين وصفهم إيمانويل ماكرون بالخونة، واعتبرهم البطريرك الراعي حكّاماً أعداء لشعب مُحتَلّ.