لجوء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى طلب وساطة الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول عربية مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، لا يبدو أنه سيفضي قريباً إلى معالجة الأزمة العميقة التي نشبت وتأخر لبنان في خطوات تضعها على خط الحوار أو البحث الجدي في تفكيكها.
فالأميركيون منشغلون بأولويات أهم بالنسبة إليهم على الصعيد الإقليمي، لا سيما مع الإعلان عن معاودة مفاوضات فيينا حول النووي في 29 الجاري، وهو أمر يشغل الفرنسيين أيضاً. ثمة تسريبات بأن الجهات الدولية التي طلب ميقاتي منها أن تعينه على فتح باب الحوار اللبناني السعودي والخليجي، أسرّت إليه بأن الأمور قد تحتاج وقتاً قبل أن تبدأ مقاربة الأمور مع الرياض، وأن على لبنان أن يتحلى بالصبر والانتظار كي تخمد حدة الأزمة، وربما حتى نهاية السنة أي بعد زهاء شهرين.
يفترض المحللون أن المقصود من وراء هذا التوقيت التريث حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود في مفاوضات فيينا، التي يكون انقضى نيف وشهر على انطلاقها، لعل تقدمها يساعد في حلحلة الوضع في لبنان.
معطيات بعض من اطلعوا على طلب ميقاتي الوساطة أن لقاءه مع وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في غلاسكو انتهى إلى نصيحة باستمرار التواصل مع قطر، لعلها تقوم بجهد بين لبنان والسعودية، في انتظار أن تحدد واشنطن كيف ستتحرك من أجل المساهمة في معالجة الأزمة. وفي كل الأحوال كان لافتاً أن تقول الناطقة الإقليمية باسم الخارجية الأميركية من دبي جيرالدين غريفيث، بعد اجتماع ميقاتي مع بلينكن ، إن “حزب الله المدعوم من إيران يشكل أحد الأسباب الرئيسية التي أدّت إلى مُفاقمة أزمات البلاد”. وهو الموقف نفسه الذي أعلنه الجانب السعودي. هذا فضلاً عن أن المساعي التي كانت واشنطن وباريس بذلتاها مع الرياض لتشجيعها على الانخراط في لبنان ومساعدته لم تسفر عن اقناعها.
ربط المعالجات المطلوبة بالأجندات الإقليمية، بات أمراً واقعاً طالما أن جميع الفرقاء المعنيين سلموا بأن الانهيار في العلاقات بين البلدين، أبعد بكثير من تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي المنحازة إلى موقف إيران و”حزب الله” من حرب اليمن. وهو رابط يعود إلى استخدام الحزب لبنان بتكليف من طهران، منصة من أجل المشاركة في هذه الحرب وإلحاق الأذى بالمملكة، من دون أن تقوم السلطة اللبنانية بأي خطوة تضع حداً لاستغلال “حزب الله” غطاءها لمواصلة مساعدة الحوثيين على ممارسة عدوانهم على الأراضي السعودية. وهو الأمر الذي جعل دول الخليج ترى في السلطة برمتها أي الحكومة، وليس رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحده، بأنها خاضعة لنفوذ الحزب.
البعد المتعلق بأدوار الحزب وتدخلاته الخارجية كان واضحاً على لسان المسؤولين السعوديين، ومن قبل “حزب الله” نفسه. فوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود رأى أن “المشهد السياسي في لبنان ما زال يسيطر عليه “حزب الله”، وهو جماعة إرهابية، تقوم بتسليح ودعم وتدريب ميليشيات الحوثيين”. أما نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم فنسب الموقف السعودي إلى ما وصفه بـ”الخسارة المدوية في اليمن”.
هل يحتمل التأزم الحاصل في الداخل، ومع دول الخليج ،الانتظار والتفرج على فصول المواجهات الإقليمية بين معارك مأرب والتحديات البحرية في باب المندب والمناورات في مضيق هرمز… أم أن تحريك الأمور في الداخل هو البديل المنطقي الذي يخفف من وطأة التأزم؟
النصيحة التي تلقاها ميقاتي أيضاً من بعض من التقاهم في الخارج، أن يسعى في الداخل إلى تصويب بوصلة الموقف اللبناني في العلاقة مع دول الخليج. وعلى رغم حجة المواقف اللبنانية والسياسية التي ترد الحلول لهيمنة “حزب الله” على القرار فيه، إلى التسويات الإقليمية الممكنة وإلى المفاوضات بين أميركا وإيران وبين الأخيرة وبين السعودية، فإن الصحيح أكثر أن قسطاً من المسؤولية يقع على اللبنانيين، إذا كان الحزب سيواصل جرهم إلى العزلة، بانخراطه في الحروب والنزاعات التي تصيب البلد والناس بالضرر المباشر.
هل قرر ميقاتي الخروج من المنطقة الرمادية وخوض معركة استعادة شيء من هيبة الحكومة ورئاستها جراء النصائح التي تلقاها، وبعد الذي قاله أمس مواربة عن “حزب الله” من دون أن يسميه، عن أنه يخطئ من يعتقد انه يمكنه اخذ اللبنانيين الى خيارات بعيدة عن تاريخهم وعمقهم العربي وعلاقاتهم الوطيدة على كل الصعد مع الدول العربية ودول الخليج خاصة ومع المملكة العربية السعودية تحديداً.
الأيام والأسابيع المقبلة ستكشف ذلك.