يُمارس «حزبُ الله» وحكمُه المتمثّل بعهد ورئاسة ميشال عون، وسلطته المتمثلة بحزب «التيار الوطني الحر» وحكومته برئاسة حسان دياب.. أقصى درجاتِ الإنفصام السياسي والاقتصادي، فهم يريدون البقاء في المحور الإيراني المعادي للعرب، والمتمسك بتورّطه في الحرب على الشعب السوري وبتدخله السافر في العراق واليمن والبحرين.. لكنه يريد التمتـّع بمميزات لبنان التي حظي بها بسبب هويته العربية المنفتحة على العالم، وتنوّعه الديني والسياسي والثقافي، وهذه محاولاتٌ لم تعد تجدي نفعاً، لذلك أكّدت عواصم القرار العربي والدولي نأيها عن لبنان ليواجه حصاد السيطرة الإيرانية على سيادته واقتصاده بشكلٍ كامل.
إنفصام الحزب الحاكم
تمكّن «حزب الله» من إحكام قبضته على المواقع الدستورية، الرئاسية والوزارية والنيابية، وحـقـّق شعارات قادة طهران بأنها تسيطر على بيروت ضمن العواصم العربية الأربع التي تحكمها، فتحوّلت الدولة هيكلاً فارغاً، يملأه الحزب حسب احتياجاته وتوجهاته الاستراتيجية.
لا يريد «حزب الله» الاعتراف بعجزه عن الحكم ولا بعجزه عن إدارة علاقاتٍ خارجية سليمة.
يريد الحزبُ لبنانَ على هيئته من دون أن تتغير نظرةُ العالم إليه:
يريد الحزبُ لبنانَ إيرانياً، وأن يبقى قادراً على استقطاب الدعم الأميركي.
يريد الحزبُ لبنانَ رأس حربة في المشروع الإيراني ضد السعودية، وأن تستمرّ الرياض في احتضان البلد.
هذه الرؤية يحملُها باستعلاءٍ مماثل رئيس الجمهورية وفريقه، وهم يحلمون أن يتمكن الرئيس حسان دياب من شقّ عباب العلاقات المتوترة مع السعودية وبقية عواصم العالم، وأن يستجلي التعاطف الدولي، لأن لبنان في أزمةٍ وصفها الرئيس عون بأنها الأخطر في تاريخه الحديث.
بعبارة أخرى، يريد نصرالله وعون من واشنطن والرياض توفير الدعم لمن يحاربهم من لبنان. ولأن هذا التصوّر مخالف لمنطق السياسة في قواعدها الأساسية، فإن لبنان يدفع اليوم ثمن غلبة الهويّة العقائدية لمشروع ولاية الفقيه على الهوية الوطنية.
الضياع الاقتصادي!!
إقتصادياً، يطلق «حزب الله» مواقفه التي تسيّج دائرة الحركة الحكومية، وتمنع عليها مقاربة الأزمة المالية من منطلقاتٍ علمية عميقة، ويريد نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أن يكون دور البنك الدولي دوراً إستشارياً لا أكثر، بينما القرار الفعلي يبقى مرهوناً بما يريده الحزب.
سبق لنصرالله أن دعا إلى الكف عما أسماه «التحريض على الحكومة» باعتبار أنها حكومته، ولكنه أفتى لنفسه بالاستمرار في التعرّض للسعودية بذريعة أن موقفه «إنساني» و«أخلاقي» حيال ما يجري في اليمن والبحرين، وهذا بحدّ ذاته عامل تقويضٍ تلقائي لجهود تحييد لبنان للتمكن على الأقل من تمرير.
الاقتصاد الموازي
يريد «حزب الله» أن يقنع اللبنانيين أن الكارثة التي وصلنا إليها اليوم هي نتاج فسادٍ داخليّ لا صلة للحزب به من قريب أو بعيد، وقد أسهمت عملية التطويع للقوى السياسية في انتشار هذا الافتراض المخالف للواقع. فالاقتصاد الموازي الذي أنشأه «حزب الله» باسم «خط المقاومة» والذي طالما تحدثنا عنه مراراً وتكراراً، وصمت عنه النوابُ والوزراء الذين سبق أن تحدثوا بوضوح، عنه في مرفأ بيروت ومطار رفيق الحريري الدولي وعلى المعابر البرية الشرعية، وعبر المعابر غير الشرعية، وهو لا يقتصر على السلاح والمواد الحربية، بل يبدأ من الإبرة ولا ينتهي بالغسالات وأفران الغاز والأدوات المنزلية والثياب ومواد الغسيل والبناء.. باختصار يشمل كل شيء.. وينافس بغير حق التجار الذين يعتمدون الطرق القانونية ويقضي تدريجياً على قدراتهم في الاستمرار.
«الفساد المقاوِم»
ومن العوامل التي تدفع المجتمعين العربي والدولي إلى النأي عن لبنان، إدراكـُهم أن حجم الفساد الذي رعته أحزاب السلطة، أكبر من شعارات الإصلاح التي ترفعها. وهم على يقين بأن معادلة «لكم سلاحكم ولنا فسادُنا» هي الحاكمة اليوم، فكيف يمكن للفاسد أن يكون إصلاحياً.. وكيف لراعي الفساد أن يواجه الفاسدين؟!
سقوط التعايش مع السلاح!
لقد سقطت بشكلٍ كُلّي نظرية التعايش مع «حزب الله» وسلاحه، بعد تجربة الإستدراج التي قاد البلادَ إليها منذ اتفاق الدوحة على الأقل حتى اليوم، بعد إنكشاف كل هذا الحصاد المرّ وما ينتظر لبنان من مخاطر لا يملك لها الحزب دفعاً ولا رداً، وكل الاجتماعات الحكومية والتصاريح الترقيعية والوعود العرقوبية، ليست سوى تمريرٍ للوقت وإدارةٍ للسقوط والانهيار.. وعلى اللبنانيين أن يدركوا أنهم كلما تأخروا في مواجهة سلطة «حزب الله» وواجهاته القائمة، خسروا إمكانية الإهتمام الدولي والعربي بهم لوقف الانهيار وإعادة الاعتبار للدولة والكيان، حاضراً ومستقبلاً.