حرام والله… حرام، ليس بالمفهوم الديني وحده… كون المحرّمات هذه المرّة، مرتبطة بتجارة المخدرات بشتى أنواعها وأصنافها، بل أيضا حرام على ما آل إليه وضع لبنان واللبنانيين، حيث باتوا في هذا الحضيض المخزي، على كافة الصعد الوطنية والأخلاقية والحضارية، فإذا بنا هذه المرّة، بعد الموقف السعودي – الخليجي بكل دوله، من عمليات تهريب الكابتاغون وتفرعاته عن طريق أساليب تهريب إحتيالية، متفّننة ومتطورة ومتسلحة بأنواع الخضار والفاكهة المختلفة، فإذا بالقرار السعودي ومن بعده الخليجي، متّسما بالحزم والتشدّد ورفض عمليات الإستغلال والإستقتال واستهداف الأمن الوطني والديني للملكة وبقية بلدان الخليج، على هذه الصورة التي ووجهت بالإستهجان المحلّي والعربي والدولي، وهي صورة موشّحة بالأوساخ والقاذورات، يرفض اللبنانيون قطعا أن تُلحق بصورتهم وصفاتهم، دون أن نغفل آثارها المؤلمة على ما تبقى للبنان من وسائل العيش الكريم، بعد أن تمّ تحطيم كل وسائل التنفس عن قطاعاته الإقتصادية كافّة، وهكذا، وبعد أن تم القضاء على قطاعاته المصرفية والسياحية والطبية – الإستشفائية والتجارية والصناعية…
ها هي الفضيحة الكبرى تتفجر على حساب قطاع جرى التركيز على إمكانية النهوض به إلى درجة تساعد على حلحلة المصيبة الإقتصادية والمالية التي يمرّ بها لبنان، ألا وهو القطاع الزراعي، فإذا بنا اليوم بعد القرارات السعودية والخليجية نتهيأ لعملية خنق إقتصادي ومعيشي لا سابقة لها في تاريخ لبنان، متمثلة بهذا القطاع الأزلي على هذه الأرض المعطاءة، بكافة أنواع الإنتاج الزراعي وفي طليعته، الفاكهة والخضار وما تيسر من إنتاجات مماثلة، هي بالنتيجة، سبل العيش شبه الوحيدة المتيسرة لقطاعات من اللبنانيين، هي الأشدّ فقرا. حرام والله، أن تتحول بقايا منابع الحياة في بلادنا إلى هذه الوضعية المسيئة إلينا قبل غيرنا، دينيا وأخلاقيا وحضاريا، وحديثا…
إقتصاديا ومعيشيا، واهتزازا حادا في ركائز الوجود اللبناني، أرضا وشعبا ومؤسسات. حرام أن تتقلب السمعة اللبنانية إلى هذه الحدود المتدنية بما للمخدرات من وقع مرفوض ومرذول في العالم أجمع، فإذا بنا اليوم نحتلّ الدرجة الأولى بين البلاد المنتجة والموزّعة لها من خلال حدودنا ومرافئنا، في البلاد العربية ومن خلالها، في ما تيسر من بلاد العالم ومنافذه الرّخوة التي يسهل التعامل المخدّراتي من خلالها. «شكرا جزيلا» موجهة إلى السلطة المتحكّمة التي وضعتنا في هذا الإطار البائس، حدودنا الفالتة على غاربها، لم نكتفي بما حلّ بها من خراب ودمار من خلال «الإنفجار النووي» في المرفأ، بل ثابر المثابرون في مواقع السلطة والتسلّط في بلادنا في عمليات استغلال مواقعنا الحدودية ومرافئنا ومطاراتنا ومنافذنا المختلفة إلى الخارج، لنجد أن حربا ضروسا ما زالت تشن على مواقع الثقل العربي وفي طليعتها بلدان الخليج، لتكون المخدرات، بعض الوسائل التخريبية التي تحاول النيل من دولها ومجتمعاتها وشبابها وسلامة أوضاعها السياسية والإجتماعية والحياتية.
وبعد، كثرت علينا الدواهي والمصائب، ويزداد وطننا الصغير بمساحته، صِغَرا، في انقلاب وضعياته الحضارية والثقافية المتفوّقة إلى بلد، ينهار بسرعة البرق، وتنقلب أحواله المُتقدمة، إلى حضيض أطلق عليه أهل الحكم والمعرفة والمراقبة المسؤولة تسمية «جهنم». ويزيد طيننا بلّة، جراد أطلّ علينا من وراء الحدود اللبنانية وتمترس في بعض من قرانا وتمدد ولو قليلا إلى بعض من مدننا الشمالية والجنوبية، جراد لم يكتف بما لدينا من جراد بشري محلّي النشأة والتواجد والتمدّد، تجاوز على مدى سنوات خلت، كل الحدود والسدود، وكل المواقع الوطنية والأخلاقية والإنسانية. لم يترك لنا الجراد الداخلي قرشا إلاّ والتهمه ودولاراً إلاّ وهرّبه، وفرصة لحياة الناس واستمرارهم في نوع من العيش الكريم، إلاّ وانتهزها وأطفأ وهجها وقضى على إمكانيات الخروج من أنفاقها.
تجّار المخدرات وسماسرتها وحماتها في بلادنا المنكوبة، هم نفسهم جراد هذه البلاد المتحكمون بأوضاعها ومفاتيحها، هم أنفسهم بعد أن صغرت على أحجامهم وطموحاتهم، الساحة اللبنانية المنمنمة، فهبّت وسائلهم المتحايلة للتغلغل إلى الخليج العربي، ومن خلاله، إلى كثير من أنحاء هذا العالم الواسع. مهما كثرت الحدود والسدود ووسائل الهرب والتهرّب من الوقائع الدامغة والمسؤوليات، هذا الجراد المخترق لكل الموانع، قادر على اختراقات يظن البعض أنها شبه مستحيلة الحصول، وهي في واقع الأمر، باب واسع لملء الجيوب التي لا تكترث إلى سلامة المصادر وتوافقها مع أصول الدين والأخلاق والرأفة بمصير البلاد والعباد. هذا الجراد، أوقفته المملكة العربية السعودية ودول الخليج عن تجاوز حدودها، وسلامة أوضاعها. هل هذا الوضع المرعب هو المقصود لقلب أوضاعنا رأسا على عقب وتحويل بلادنا التي كانت متطورة ومزدهرة، إلى مواقع الإهتزاز الشديد والتخلف المدمر؟ إن غدا لناظره قريب، ومع كل الحسرة والأسف، ليس في غدنا ضوء وأمل يدفع بنا إلى الاطمئنان.