Site icon IMLebanon

إلى أهلنا في الخليج: لا تجلدوا لبنان الضحيّة أكثر

 

تطل علينا الذكرى الرابعة والخمسين لنكبة حرب الأيام السّتة التي انتهت باحتلال إسرائيل لكامل فلسطين التاريخية، إضافة إلى بعض الأراضي العربية المجاورة ومنها الجولان السوري. وستحتفل إسرائيل بهذا الإنتصار بنشوة بالغة، ليس لأنّها احتلت كلّ فلسطين فحسب، بل لأنّها تمكنت أن تلجم بعد تلك الحرب ذلك التواضع الذي استعاده العرب نتيجتها، حيث استفاقوا إلى حقيقة النظام العالمي حولهم، فأقروا بالهزيمة ووافقوا على قرار مجلس الأمن الرقم 242.  منذ ذلك الحين بدأت إسرائيل تعمل جاهدة على قتل روح التواضع عند العرب بأمل إعادة تغليب قوى صوت التحدي والتهديد من جديد. فالتواضع سمح للعقل العربي أن يقرأ مكامن القوّة والضعف لديه، فسعى لاستخدام الآليات الحقوقيّة الدوليّة القائمة التي تمنحه الدعم الدولي لمطالبه وحقوقه. أما صوت التحدي والتهديد فكّرس إسرائيل ضحيّة بحاجة إلى الحماية وإلى تغليب عنصر توفير الأمن لها على أي اعتبار للحقوق والواجبات.

 

صوت التحدي والتهديد لم يفرح إسرائيل فحسب، بل ساعدها على متابعة عدوانها بحرّية على الفلسطيني وعلى كل عربي يمكن أن يهدد بأسلوبه المعتدل، خطتها لاستكمال إسرائيل الكبرى. التحديات منحتها فرص الحروب والتوسع والتمدد، والإعتدال فرض عليها الحلول والتراجع والإنكفاء. وقد كان من أبرز من رفع التحديات والتهديدات، نظام حافظ الأسد في سوريا، ونظام صدام حسين في العراق، ونظام معمر القذافي في ليبيا. فهذه القوى الديكتاتورية فرضت على العرب المعتدلين الكثير من المآسي. وهم وجدوا في لبنان الأرض الخصبة لتحويله إلى مستنقع يفجرون فيه غرائزهم ويخفون من خلاله ضعفهم أمام إسرائيل. إستخدموا أحزابا ووجوها سياسية إشتروها بالمال والسلاح والشعارات، لكي تنفذ سياساتهم. وهذه الأحزاب تلذذت بطعم السلطة، وحكم الشوارع، ورنين المال، فامتهنت أبشع العبارات العاطفية لإستدرار ذلك المال والسلاح ودعم الديكتاتوريين لها. كل ذلك على حساب الإنسان الفلسطيني واللبناني وعلى حساب الوطن. فصار لبنان منذ عام 1969، ساحة مفتوحة لهذه الأصوات الغرائزية، والسياسات العبثية، ومن تجرأ على رفع الصوت قتل أو طرد من البلاد، ودائما بتهمة الخيانة لصالح العدو.

 

قرات مؤخرا مقالة الصحفي الأستاذ عبدالله بن بخيت، في عكاظ عن حلم اليقظة عند اللبنانيين، استوقفتني لما رأيته من جلد لنا لم يكن من ضرورة له. فعدم وجود لائحة طعام باللغة العربية في أحد مطاعم سوليدير، أو سؤال رابحة مبلغ من المال للمذيع، عن قيمة المبلغ الذي ربحته بالدولار الأميركي بدلا من الليرة اللبنانية، لا يعني أنّ علينا أن نعيد تعريف لبنان، ولا يعني أننا نعيش حلم يقظة. نعم من حق اللبناني أن يقارن بين بلده وسويسرا، ولمعلوماتك فإن لبنان كان رابع أكثر دولة ازدهارا في العالم أواسط ستينات القرن الماضي، وكان يسمى سويسرا الشرق، ولم تتدهور حالته إلا بعد أن قبض على عنقه الديكتاتور الأسد وورثته وحلفائه في بيروت.

 

مهلا أيها الحبيب لبنان كان مدرسة الشرق. إسأل والدك فربما كان أحد خريجي الجامعات اللبنانية. وكان ملاذ العرب إلى ملامسة الرفاهية الغربية، إسأل والدتك فربما كانت تنتظر كل عطلة لتأتي بك إلى ربوع لبنان. نعم في أعماقنا ثقافة لن نسمح لها أن تموت. من حقك ان تنظر إلى واقعنا اليوم، لكننا سنظل نعيش حقيقة إنساننا الحر الذي كان يملأ الشوارع مظاهرات دعما لأيّة قضية عربية، قبل أن تحوّلة السنوات الخمسين المنصرمة، إلى عبد ذليل على أبواب أمراء الحرب. سنظل نحكي ثقافة المحبة للحياة، التي تعكس موقع إنساننا في الضمير العالمي، ولن نستبدلها بثقافة الإستسلام والموت. حرية الرأي لدينا لا تقابلها الإغتيالات، بل أنها تقاوم الإغتيالات. هي أعظم نموذج لمقاومة إرهاب مجرمين وحماة قتلة من أركان سلطة أقامها المحتل في بلدنا، بغية تحويلنا إلى نظام دمشقي آخر. نظامنا السياسي متقدم نعم! فأين في بلدان العالم ترى حائط الكنيسة هو أيضا حائط الجامع، والجميع يذهب بسلام إلى معبده؟ نحن نسعى جاهدين للتمسك به رغم أن نظام الأسد يحاول مع أزلامه في القصر الجمهوري وحوله ومنذ عام 1992، إلى تحويله هجينا. مؤسساتنا المالية كانت وستبقى من أكثر المؤسسات المالية احتراما في العالم، ولن نقبل أن يفقدنا حزب إيران وأهل السلطة من حماة تصدير الكبتاغون إلى بلدانكم، احترامنا واحترام العالم لها. نحن ندرك تماما أنّ لبنان سيعود درّة الشرق وسنتخلص من كل هذه السلطة الفاسدة، إذا استعدنا سيادتنا واستقلالنا وحريتنا.

 

لبنان كان وسيبقى يا أخي موطن الفن والثقافة والإبداع. نحن لا نريد منافسة أحد بل نشد على ايديكم جميعا، وإنما بيروت سيظل لها طعمها الخاص. بيروت لم تنتخب عبثا عاصمة الكتاب في العالم لعام 2009، فهذا أقل تكريم لوطن أدخل أول مطبعة إلى الشرق. لبنان كان دائما عاصمة الإعلام والكلمة. فيروزه والأخوة الرحابنة وجبرانه وميخائيل نعيمة وسعيد عقل وأمين معلوف وغسان تويني وغيرهم، حملوا موسيقاه وحروفه إلى العالمية. لبنان هو وطن المتاحف التي تضم في حناياها تاريخ التطور الإنساني عبر القرون. هو وطن الفينيقيين الذين وضعوا الحروف الأبجدية ونظام الإبحار في العالم. هو الوطن الذي انجب للعالم الحر عباقرة مثل مارديوس التونيان وشارل عشي وكارلوس سليم وكارلوس غصن ومايكل دبغي وغيرهم كثيرون.

 

حزب إيران يملأ آذاننا صخبا كل يوم، بنموذجه الآلهي. هو والملتحفون بالسماء يريدون إعادتنا إلى عصر الجاهلية، في حين تعملون أنتم جاهدين للإنتقال إلى عصر الحداثة. جعلوا شوارع بيروتنا أنهرا للنفايات. حرمونا الكهرباء وسرقوا أموالها، سرقوا كل شيء حتى الطحين الذي نزعوه من أفواه أطفالنا ليرسلوه غنيمة، إلى حماتهم في دمشق. ورغم ذلك فنحن في الشارع نصرخ لا نكلّ ولا نملّ. نملأ العالم صراخا. فتوقف يا أخي عن الشماتة بنا، وجلدنا بسوط عباراتك الباعثة لليأس. إحمل قضية الحرية لشعبنا معنا، وساعدنا أن تقوم حكومات بلدانكم بدعم طلبنا بأن يقوم المجتمع الدولي بتحريرنا من نير هذا الإحتلال الإيراني السوري الغشيم.

 

ولمناسبة الذكرى الرابعة والخمسين لنكسة حزيران، أقول لكم أنّ عودة لبنان إلى عهده السابق هو بداية تحريركم من صواريخ هذا النموذج الإلهي الذي يحتلنا بسلاحه. وإلى اللبنانيين اقول كفى تعميما لمقالات تجلدنا وتبعث التشاؤم واليأس في قلوبنا. سنقاوم حزب السلاح والسلطة بالكلمة المتفائلة وسنزرع الأمل في قلوب كل الناس.