تدرك الادارة الاميركية الحالية تماماً ان الخليج بدأ يتطلع الى ما ستكون عليه سياسة الادارة الجديدة التي ستأتي في ضوء الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في تشرين الثاني المقبل. كما تدرك ان مرحلة جديدة من العلاقات بين الطرفين بدأت منذ مدة ويتم ارساؤها حالياً بعد التوضيح المتبادل لوجهات النظر في ضوء توقيع الاتفاق النووي مع ايران، والموقف الاميركي في سوريا والانكفاء الاميركي عن الشرق الاوسط.
وتفيد مصادر ديبلوماسية واسعة الاطلاع، ان الطرفين استوعبا تطورات السياسة التي يتبعانها، وقد تغيرت السياسة الاميركية، بشكل لم تعد تتم فيه مثلما كان الخليج يأمل بها سابقاً.
خلال زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما الخليجية الاخيرة، بدا ان الطرفين يجب ان يعتادا على تبدل شيء ما في العلاقة. كان هناك تنسيق وثيق، والآن فهم كل طرف على الآخر، وادرك الخليج ان واشنطن حالياً قد لا تلتزم تعديل سياستها في المنطقة، ووضع الاولويات الخليجية والعربية في الاولويات الاميركية، الخليج يلمس ذلك، وادرك الامر في اكثر من محطة.
والاميركيون فهموا ان لدى العرب الآن هامش تحرك دولي قد لا يلتقي بالضبط مع التوجهات الاميركية، لكنه لن يعارض التوجهات الاميركية الكبرى والمصالح الاساسية في المنطقة، وابرزها في التنسيق الحثيث لمكافحة الارهاب، واستقرار سعر البترول، والموضوع الاسرائيلي. واعتبرت المصادر، انه مثلما عقد لقاء «كامب ديفيد» قبل توقيع الاتفاق النووي، كان التحرك الاميركي خليجياً اخيراً بمثابة «كامب ديفيد 2» تتبعه بداية مرحلة جديدة لتوسيع الخليج علاقاته الاستراتيجية مع آسيا وحتى مع الروس. آسيا تحتل منذ اكثر من عشر سنوات المركز الاول او الثاني في استيراد النفط الخليجي.
وتؤكد المصادر، ان للامر انعكاساً على ملفات المنطقة المفتوحة، ولا بد من الانتظار لمعرفة التطورات في ضوء ازدياد هامش الحركة بين الاطراف الاقليمية. لكن طالما سيأخذ العرب والخليج تحديداً اساسيات الاولويات الاميركية، فانه ضمن هذا السياق يمكن ان يتم تفسير الديبلوماسية النشطة والمندفعة للخليج، لا بل الهجومية في اوقات معينة. تقليدياً الخليج كان مميزاً بالديبلوماسية الحذرة جداً، وبأسلوب حل المشاكل بالكواليس، ومن دون مواجهات مباشرة مع الدول. الآن هناك اسلوب مختلف في مقاربة ملفات سوريا واليمن والعراق وغيرها وبسبب حرية الحركة هذه، لا يتوقع ان تستعيد العلاقة الخليجية الايرانية دفأها بسهولة، لا بل على العكس، المواجهة مستمرة ومن ضمنها ما يحصل في اليمن وسوريا.
في لبنان ليس بالضرورة ان يحصل تصعيد اكبر بشكل اوتوماتيكي، وفقاً للمصادر، والاحتمال الاقوى هو التشنج الذي سيستمر، انما يوجد توافق دولي مع كل من السعودية وايران، على تحييد لبنان امنياً واقتصادياً، وان يبقى «الستاتيكو» على حاله. إذ انه ليس الوقت لـ»الحركشة» بلبنان، والارتباك بوضعه في ظل الملفات الساخنة الاخرى. يوجد حالياً شلل سياسي، لكن استمراره ليس ناتجاً عن تحولات بين الخليج والولايات المتحدة، بل من الداخل اللبناني الذي يزداد هرياناً.
ويتوقع ان تزداد المناورات السياسية الاقليمية بين ايران وبقية القوى في المنطقة، ان كان الخليج او تركيا، وان يتعمق الاصطفاف لتلك المحاور بسبب هذا التحول في العلاقات.
ومن حق الدول الخليجية ان تأمل انه اياً يكن الرابح في الانتخابات الرئاسية الاميركية، سيكون افضل من الادارة الحالية، بحسب المصادر، لان الاداء ليس مرتبطاً فقط بسياسة الدولة، وبالانكفاء عن المغامرات الخارجية والطويلة المدى، بل ايضاً مرتبط بشخصية الرئيس الحذر والمتردد، والتوقعات تشير الى ان هذه السياسة ستتغير، ان تولت هيلاري كلينتون سدة الرئاسة او ترامب. اذ ليس من الضروري ان يلجأ الاثنان الى الحرب، انما الى تعديل الامور في المنطقة، واعادة الدخول مجدداً اليها بطريقة ما. كل ذلك مرتبط بشخصية الرئيس بحد ذاته.
وليس من خيار آخر لدى الخليج سوى التطلع الى تفعيل العلاقات مع اطراف اخرى، في انتظار مستجدات ما. انها محاولة في ان يتم التوازن قدر الامكان، والنتائج غير واضحة منذ الآن. الخليج يعد الخطط لتوفير اكتفاء ذاتي كامل على الصعيد الاستراتيجي من اجل ان يعزز وزنه الاقتصادي والتقني والعسكري ما يمكنه من تعزيز دوره الاساسي اقليمياً ودولياً، والادارة الاميركية الجديدة ايضاً سيستلزمها وقت كاف لاعادة صياغة الاطر اللازمة في علاقاتها الخارجية.