ما إْن وّقعت إيران اتفاقها النووي مع الغرب٬ حتى سعت بقوة لما سّمته حواًرا مع دول الخليج٬ بهدف «التوصل إلى فهم مشترك ومتبادل لمواجهة الأزمات الإقليمية٬ وتحقيق السلام والأمن والاستقرار». بل إنها٬ ومن فرط حماسها٬ حّددت موعًدا له في سبتمبر (أيلول) الماضي٬ بينما دول الخليج آخر من يعلم. غني عن القول إن هذه المساعي طرحت جانبا سريًعا٬ لعدم توافر أرضية مشتركة تساعد على إقامته٬ خاصة في ظل الأطماع الإيرانية الرهيبة المتصاعدة. وبينما المنطقة تغلي من جراء التصعيد الإيراني العدواني ضد السعودية٬ تحديًدا في أعقاب حادثة منى٬ تعود الدعوات مجدًدا لحوار خليجي إيراني٬ كان آخرها تلك التي أرسلها وزير الخارجية الكويتي عندما قال: «نحن مستعدون للبدء بحوار مع إيران٬ فدول مجلس التعاون دائًما تجد أن هناك قواعد للتعاون مع الجارة إيران٬ ونتمنى أن نبدأ هذا الحوار من أجل أمن واستقرار المنطقة».
في ظل الهجمة الإيرانية الصاخبة ضد السعودية٬ باعتبارها رأس الحربة في التصدي للمشروع الإيراني في المنطقة٬ وصولاً إلى التهديد باستخدام القوة٬ وتسييس طهران فريضة دينية كالحج٬ واستغلالها بشكل بشع بلغ منبر الأمم المتحدة٬ كما فعل الرئيس حسن روحاني٬ فإن أي دعوة خليجية للحوار تظهر وكأنها رسالة بأن مطلقها يقف على الحياد بين السعودية وإيران٬ وأن التوتر الحاصل بين طرفي ضفتي الخليج هو في حقيقته بين هاتين الدولتين فحسب٬ وليس بينها وبين مجلس التعاون الخليجي كمنظومة٬ وهنا إذا كان هذا هو الموقف الحقيقي٬ ولا أظنه كذلك٬ فلا أقل من إعلان المواقف بصراحة٬ بدلاً من تكرار دعوات الحوار التي تظهر كمسرحية مملة معروفة نهايتها٬ فمن غير المعقول أن تستخدم بيانات مجلس التعاون الخليجي كغطاء لإخفاء الحرج أمام الشعوب الخليجية٬ أما المواقف الحقيقية فتظهر في العلاقات الثنائية مع الدولة الإيرانية٬ مع التأكيد على أن من حق أي دولة أن تعلن مواقفها على طبيعتها٬ بشرط عدم وضع قدم هنا وأخرى هناك.
ليس سًرا أن مواقف دول مجلس التعاون لا تتطابق تجاه طهران٬ فسلطنة عمان ترتبط بعلاقات ذات خصوصية مع إيران. استضافت مفاوضات سرية تتعلق بالاتفاق النووي قبيل توقيعه دون علم شقيقاتها دول الخليج٬ كما أنها لم تشارك دول مجلس التعاون الخمس في «عاصفة الحزم» وآثرت الحياد! أما الكويت فتحافظ على علاقات طيبة وتسعى لتنميتها بمعزل عن أشقائها٬ في حين أن للدوحة علاقات متوازنة تتطور وإن كان ذلك بشكل بطيء٬ وهو ما كان واضًحا في تصريحات أطلقها الرئيس الإيراني بقوله: «لا شك أن الاتفاق النووي سوف يقود إيران إلى علاقات أوثق مع الجيران٬ لا سيما قطر». من يدري ربما الخطر الإيراني المقبل موجه فقط ضد السعودية والإمارات والبحرين٬ بينما الدول الثلاث الأخرى في مأمن منه.
جاء تأسيس مجلس التعاون مطلع الثمانينات٬ ضمن رؤية الدول الأعضاء في هذه المنظمة لمهام الأمن الإقليمي المشترك فيما بينها. وقد كان اتساع التعاون الدولي للدول الأعضاء المنبثق عن المخاطر الأساسية للأمن الإقليمي الناجمة عن السياسة الخارجية الإيرانية٬ مرتكًزا أساسًيا لقيام هذه المنظومة. اليوم وبعد نحو 35 عاًما على تأسيس المجلس٬ لم تتراجع إيران خطوة واحدة عن سياستها في تصدير ثورتها٬ وإنما يمكن القول إنها تقدمت مئات الأميال في المجاهرة بسياستها التوسعية٬ وبدلاً من أن توحد منظومة مجلس التعاون مواقفها لمواجهة خصم يجاهر بعداوته٬ وتصدير ثورته الطائفية٬ يواجه المجلس ضبابية غير مسبوقة في التصدي للسياسات الإيرانية المفعمة بالاستفزاز٬ مما يفرغ فكرة تكاتف مجلس التعاون وتعاونه من مضمونها الأساسي٬ ويعيدها لنقطة الصفر في كيفية مواجهة الجار على الضفة الشرقية من الخليج العربي. وبصراحة قبل لوم إيران على اختراقها الواضح سًرا وجهًرا لدول الخليج٬ على المنظومة الخليجية أن تسأل نفسها أولاً: لماذا سمحت بتمييع فكرة الخطر الإيراني إلى أن بلغ هذا الحد غير المسبوق؟!
أخيًرا.. لو كنت إيرانًيا لما وجدت أفضل من هذه الدعوات الحوارية الخليجية المتكررة٬ هدية ثمينة تقدم على طبق من ذهب