هل تنقشع الغيوم المتلبّدة بين لبنان والسعودية ودول «مجلس التعاون الخليجي»؟
ثمّة إجابتان على هذا الموضوع: الأولى إيجابيّة تحمل في طيّاتها أفكارا متداولة على صعيد خليجي عام بضرورة تجميد العقوبات ضدّ لبنان مع اعتماد سياسة جديدة معه، وهي فكرة منتشرة في الأوساط الديبلوماسية والنخب المشاركة في صنع القرار الخليجي، والثانية سياسية محضة لا تزال تدعو الى مزيد من التشدد في انتظار مواقف أكثر حزما من الحكومة اللبنانية ومن اللبنانيين جميعهم تواجه «حزب الله» و «تردع» تهجماته على تلك الدول.
في المناخ الإيجابي الذي توفّر لـ «السفير»، من أوساط خليجية لها كلمتها المسموعة في صناعة القرار، أنّ مشاورات خليجية رفيعة بدأت في شأن لبنان ترتكز على قراءة تعتبر أن ما جرى لغاية اليوم منذ إعلان إلغاء السعودية الهبة للجيش اللبناني، وما استتبعها من خطوات من جامعة الدول العربية ضدّ «حزب الله» ثمّ حظر السفر الخليجي الى بيروت وصولا الى تصنيف «مجلس التعاون الخليجي» لـ «حزب الله» كمنظمة إرهابية، كان «بمثابة درس يمهّد لما سيأتي من بعده من مقاربة خليجية جديدة في اتجاه لبنان أكثر منهجية من السابق وتتسم بالشمولية والتخطيط السليم»، بحسب تعبير الأوساط الخليجية.
وتلفت هذه الأوساط الى أنه من المستحيل أن تترك السعودية والدول الخليجية لبنان لقمة سائغة لإيران، وتقول لـ «السفير» إنه «لا يمكن للخليجيين، وللسعوديين خصوصا، أن ينبذوا لبنان، فتلك مزايدات سياسية تتبع التوجهات السياسية ولكنها ليست في أعماق الشعب الخليجي المحبّ لأرض لبنان وللبنانيين وهم جزء لا يتجزّأ من المكوّن الخليجي، لا سيّما الشعبي منه».
ثمّة أفكار كثيرة متداولة تنصبّ على دور المكونات اللبنانية مع منحى خليجي متصاعد لأن يكون للمسيحيين اللبنانيين دور جديد أكبر من ذي قبل، بغية الابتعاد عن التجاذبات الطائفية والمذهبية التي طبعت الأعوام الأخيرة. وقد تبرز في المرحلة المقبلة رموز مسيحيّة جديدة من خارج الطيف الحالي، إلا ان هذا الموضوع وسواه لا يزال في طور النقاش في ورش عمل بسيطة و «عصف ذهني» ديبلوماسي مستمرّ منذ مدّة، علما بأن مسارات الأمور ستتظهر قريبا.
سيف العقوبات مسلط
من جهة ثانية، وفي ظلّ المناخ السياسي المتوتر، لا يزال الخليجيّون يؤكدون أمام زوّارهم اللبنانيين بأنهم لم يفرّقوا يوما في تعاملهم بين لبناني وآخر «فلم يلجأوا الى الطائفية في احتضانهم للبنانيين بل عاملوا الطوائف كلها سواسية، وهذا يبرز في الوظائف التي نالها هؤلاء والمواقع المتقدمة التي بلغوها».
«دعمت الدول الخليجية لبنان سياسيا وأسهمت بإطفاء حربه الأهلية عبر اتفاق الطائف، الى دعم تنموي وإعماري ومالي دائم». تبدّل الوضع اليوم بعد «الأخطاء اللبنانية المتكررة»، بحسب التعبير الخليجي، وثمة منحى الى «تقليص الاستثمارات والأعمال التجارية بالشراكة مع اللبنانيين، وكثر من السعوديين والخليجيين بدأوا اليوم ببيع عقاراتهم في لبنان متجهين للاستثمار في تركيا».
السبب الرئيسي الذي يقدّمه الخليجيون هو مواقف الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله «التحريضية» ضدّهم، ثمّ «إلقاء القبض على أشخاص أرسلتهم إيران للتجسس في تلك البلدان بغية محاولة زعزعة الاستقرار فيها». وترى تلك الدول أنه «بات من حقها أن تتخذ الإجراءات الملائمة لصدّ هذا التدخّل السافر في شؤونها المعلوم منذ اليوم الأول، من أصغر تحويلة مالية الى أكبر خلية تجسسية.. لكنّ للصبر حدودا».
عمليا، بدأت هذه الدول إجراءات صارمة ماليا خصوصا بعد تصنيف «مجلس التعاون الخليجي» لـ «حزب الله» أنه تنظيم إرهابي، وهذا التصنيف انسحب تضييقا ماليا على جميع اللبنانيين من دون استثناء، وقد بات على كلّ لبناني يحوّل اموالا من السعودية أو من سواها من الدول الخليجية، أن يبرهن وجهتها.
بالرغم من هذه الإجراءات الشاملة، يقول الخليجيون إن «لبنان ليس على القائمة الخليجية السوداء بل حزب الله فحسب»، معتبرين بأنّ «هذا الصوت اللامسؤول، عليه أن يواجه لبنانيا بأصوات زاجرة أيضا تمنع حزب الله من الاستمرار بممارساته في الدول الخليجية».
وما المطلوب من «حزب الله»؟
تقول الأوساط الخليجية المسؤولة أن المطلوب من «حزب الله» هو «الرأفة باللبنانيين أولا وبلبنان، وأن يتعامل بمسؤولية ويمتنع عن العدائية والتدخل السافر في البلدان الخليجية، فلا يحوك المؤامرات ضدّها ويحاول الإساءة الى العلاقات اللبنانية الخليجية عبر إعلامه وأزلامه».
وإذا كانت الأوساط الديبلوماسية تتدارس «المنهجية الجديدة» في التعاطي مع لبنان وتخفيض الضغط عليه، فإن أوساطا سياسية لا تزال تتدارس في الوقت عينه كيفية تشديد الإجراءات العقابية ضدّ بلد «باتت ولاية الفقيه فيه أقوى من الدولة».
من هنا، فإن جميع السيناريوهات مطروحة: من وقف الرحلات الجوية الى لبنان الى إغلاق البعثات الديبلوماسية، وصولا الى ترحيل جماعي للبنانيين وسحب الودائع من المصارف اللبنانية، وذلك متعلق «بالسلوك اللبناني»، خصوصا الحكومي، وباللهجة التي سيتعاطى فيها «حزب الله» مع هذه الدول «التي ضاقت ذرعا بخطابات أمينه العام، والتي لا يتوانى مسؤولون كبار فيها عن التساؤل في مجالسهم الخاصة عمّن يكون نصر الله لكي يحكي بهذه اللهجة اللامسؤولة والمسيئة الى بلده أولا؟».
وردّا على سؤال عمّا إذا كانت السياسة السعودية والخليجية متعلقة بالجيل الجديد من الحكام الذين لا يعرف بمعظمهم لبنان عن كثب، تجيب الأوساط: «ليس من خليجي لا يعرف لبنان، لكنّ السعودية بدأت تتعامل من منطلق مصلحتها أولا، ولا يهمّ إن كان المسؤولون فيها يعرفون لبنان أم لا، فهذا ليس أولوية».
وعن مصير الهبة للجيش اللبناني التي تحاول فرنسا أن تعيدها الى لبنان تقول الأوساط: «لا إعادة للهبة حاليا، وهو أمر مستحيل التفكير فيه في ظلّ الظروف الحاليّة».
وتشير الأوساط الى أن السعودية لا تزال متشبثة باستقرار لبنان وبالحوار بين اللبنانيين «لكن بعد إطلاق سراح ميشال سماحة تبين للمملكة بأن أحكام الجيش ومحكمته باتا في يد حزب الله بحسب ما عبّر بصراحة وزير الخارجية عادل الجبير».
وتختم الأوساط الخليجية بقولها: «بات حزب الله نقمة على لبنان وليس نعمة، وذلك من خلال تصرفاته غير المسؤولة، وقد حان الوقت لكي يعيد النظر بحساباته بما يخدم مصلحة لبنان واللبنانيين والابتعاد عن التجاذبات الإقليمية التي لا تفيده ولا دخل له فيها».