IMLebanon

المكرمة الخليجية وحدها لا تكفي!

 

 

تعدّدت العُقد والتعطيل واحد، ومهما اختلفت الأسباب واتخذت أوجهاً مختلفة، إلا أن حلقة الفراغ الحكومي لا تزال تتوسّع لتشمل مختلف المجالات الحيوية وترخي بثقلها على الوضع الاقتصادي المتهالك. ولقد أثبتت الطبقة السياسية مرة جديدة أن أولوياتها لا تزال بعيدة كل البعد عن المصلحة الوطنية، حيث يتمترس كل فريق خلف مصالحه الخاصة متجاهلاً الدعوات الدولية لضرورة الإسراع بتأليف الحكومة والصرخات الداخلية حول خطورة الوضع المالي وهشاشة الاقتصاد الذي تحوّل من استثماري إلى مصرفي ريعي، مما يعني شبه توقف في الدورة الاقتصادية، حيث الإيداع مع الفائدة المرتفعة بات أكثر ربحية من الاستثمار في المجالات الإنتاجية، حتى العقارية التي لطالما بقيت من أنجح القطاعات في لبنان حتى في أشد الأزمات.. وبالتالي معدلات البطالة تتجّه نحو ارتفاع قياسي، إضافة إلى تكبيد المصرف المركزي أعباءً إضافية لدعم الليرة والحفاظ على معدلات الصرف!

وفي حين يتّقن الأفرقاء المحليون، بغض النظر إن كان بقرارات داخلية أو إيحاءات خارجية، في تضييع الفرص على الوطن الصغير وطمس أية محاولة للنهوض في مهدها، عبر تصعيد الخطاب السياسي وتأجيج اللغة الطائفية مما دفع، بلا شك، بالكثير من المستثمرين إلى تحويل أموالهم إلى الخارج، فأربكوا الأسواق النقدية والمالية ودفعوا بالمسؤولين عن الاقتصاد إلى دق ناقوس الخطر، إلا أن دعم الأخوة العرب لم يغب كلياً كما بدا بعد التصعيد الذي رافق القمة الاقتصادية، فعلى الرغم من كل الخلافات في مقاربة الملفات الإقليمية والتي انعكست إشكالات شابت علاقتهم بلبنان، إلا أن ذلك لم يمنع قطر من إعلان إيداعها خمسمائة مليون دولار في سندات الخزينة، وتصريح وزير المال السعودي محمد الجوعان عن دعم الاستقرار في لبنان، مما أدى إلى ارتفاع السندات السيادية اللبنانية المطلوبة بالدولار، خاصة أن الفترة السابقة كانت سوداوية بعد الحديث عن إعادة هيكلة الديون وما أحدث من خضة مالية لما كان استطاع الاقتصاد تجاوزها لولا إسراع المسؤولين الى إطلاق وابل تطمينات, وفي الشكوك حول قدرة لبنان بالإيفاء بالتزاماته الدولية المالية، إضافة الى تقرير موديز الأخير الذي أعاد تصنيف لبنان خطوات إلى الوراء.

في نهاية الأمر، لبنان ملتزم خارجياً بسداد ديونه، وداخلياً بدفع مستحقات القطاع العام، الشعب ملتزم بالتحمّل والصبر على أزمة غير مسبوقة، والمجتمع الدولي ملتزم بدعم لبنان حتى يخرج من أزمته، على الرغم من ان المقاربات لا تزال متعددة كل حسب أجندته الخاصة، وتبقى الطبقة السياسية الوحيدة العاجزة عن الالتزام بمسؤولياتها الوطنية تجاه لبنان أولاً وقاعدتها الشعبية ثانياً، حيث تبقى الحسابات الخاصة التي تُمعن بالتعطيل السياسي وبتفويت الفرص الاقتصادية، كما أن الالتزامات الخارجية لكل فريق جعلته أضعف من تحرير لبنان من قبضة الكباش الدولي، بل زجّت به وسط الاشتباك القائم وهو أعزل ومُنهك غير قادر على المواجهة، فعاد ليكون ورقة تفاوض في لعبة لا دور له بها أصلاً! إن تشكيل الحكومة بات الفرصة شبه الوحيدة للخروج من نفق هذه الأزمة، ولا سبيل لإنقاذ اقتصادي إلا عبر استعادة الثقة الدولية والعربية تحديداً، لأنها لطالما كانت الرافعة المالية لاقتصاد خدماتي أولاً وأخيراً، في حين أظهرت أكثر من مرّة حرصها على استقرار الشقيق الأصغر وإيمانها به وترجمت دعمها له، فهل مَن يلتزم بواجباته الوطنية ويترجمها أفعالاً على الأرض لا شعارات رنانة تذهب أدراج الرياح؟