Site icon IMLebanon

مسؤول خليجي يسأل: أين أغنياؤكم؟

 

الصدمة الكبيرة التي أثارتها أزمة المقاصد في المجتمع البيروتي خاصة، وعلى امتداد المناطق التي تتواجد فيها مدارس المقاصد عامة، لم تكن مفاجئة للذين يعرفون جيداً أهمية الدور الريادي الذي تقوم به هذه المؤسسة التاريخية، في نشر التربية الوطنية في نفوس وعقول طلابها، وتعزيز قواعد الإيمان والاعتدال التي وضع أسسها الدين الحنيف، والمساهمة المستمرة في النهوض بالمجتمع الإسلامي، سواء في بيروت أم في مختلف المناطق الريفية.

التدخل السريع من المرجعيتين السياسية والدينية: الرئيس سعد الحريري والمفتي الشيخ عبداللطيف دريان (وهو ما كنا قد طالبنا به في افتتاحية يوم الاثنين ١٨ حزيران الفائت)، هذا التدخل أعطى عملية الإنقاذ دفعة قوية إلى الأمام، أوقفت حالة الهلع من الانهيار الشامل، بعد الإعلان عن إقفال مدرسة خديجة الكبرى، وتسريح المعلمين وتشريد الطلاب، والعجز عن تأمين رواتب المعلمين والموظفين.

ولكن دفعة المليارات الخمسة لن تنقذ المقاصد من حالة التعثر المالي، وإن كانت ستساعد على تخفيف حدة الأزمة الحالية، ويبقى الأساس هو العمل الجدي على وضع خطة قادرة على إيجاد الحلول الدائمة للواقع المالي المتردي، وتُعيد المقاصد إلى مجدها التربوي والوطني.

الواقع أن الإشكالية الأولى التي أوصلت الوضع المالي إلى ما هو عليه من التعثر الحالي، تمثلت في ابتعاد المؤسسة العريقة عن مجتمعها، نتيجة استنتاجات لم تكن دائماً واقعية، مفادها التوجّه  للاعتماد الكليّ على المساعدات والهبات الخليجية، وخاصة من المملكة العربية السعودية، وبالتالي إهمال الموارد التي يمكن الحصول عليها من المتبرعين والمانحين المقتدرين من أبناء مجتمعها، تلك الموارد التي كانت في أساس النهضة المقاصدية، وما شهدته الجمعية من توسّع ونمو في مختلف مرافقها التربوية والاستشفائية والثقافية.

وفي الوقت الذي كانت فيه مؤسسات اجتماعية وخيرية أخرى تعتمد على الدعم والمساعدات التي تأتيها من مجتمعها، في تنفيذ خططها التوسعية والخدماتية، مثل دار الأيتام الإسلامية ومؤسسات محمد خالد، ودار العجزة الإسلامية، وغيرها كثير، كانت مالية المقاصد وبرامجها الإنمائية تتعرّض للتعثر والاهتزاز كلما تأخر وصول الدعم الخارجي، الذي بلغ حافة التوقف في الأعوام الأخيرة.

لذلك لا بد أن تكون العودة إلى الداخل هي الأساس في أي خطة طموحة، تسعى لتأمين الاكتفاء الذاتي من مجتمع المقاصد، الذي يضم مجموعة من رجال الأعمال والميسورين وكبار الموظفين القادرين على المساهمة الفاعلة في تأمين جزء مهم من الموارد المالية اللازمة لهذه المؤسسة العريقة، على أن توضع آليات أخرى لإفساح المجال أمام أصحاب الدخل المحدود من خريجي المقاصد، أو أعضاء الهيئة العامة، لتقديم ما يستطيعون من مساهمات مالية، ولو بمستوى مائة دولار شهرياً، مثلاً، لمن يقدر من منتسبي الهيئة العامة، الذين يصل عددهم إلى ثمانمائة عضو تقريباً.

ضغوطات الأزمة وتداعياتها على المجتمع الإسلامي لا تسمح بكثرة الكلام والاستغراق في التنظير، أو حتى التلهي بتوجيه الاتهامات وتضييع الوقت بالسجالات العقيمة، الأولوية اليوم هي لخطة إنقاذية واقعية وقادرة على استعادة مجتمع المقاصد لدعمها، فضلاً عن دور كل من الرئيس الحريري والمفتي دريان في إعلان حالة استنفار للمقتدرين في الطائفة للقيام بواجبهم الشرعي والأخلاقي والاجتماعي في تقديم ما يلزم من مساعدات مالية وعينية ووقفية للمقاصد، على النحو الذي كان يحصل حتى عشية اندلاع الحرب عام ١٩٧٥.

ولم يعد سراً أن مفتي الجمهورية عندما طلب في إحدى زياراته من مسؤول خليجي مساعدة المقاصد ومؤسسات إسلامية أخرى، جاءه الرد من محدّثه: أين أغنياؤكم الذين يتملكون اليخوت والطائرات الخاصة، ويعيشون في أفخم الفيلات والمنازل في أوروبا وأميركا؟