IMLebanon

بعد عودة السفيرين: الوجه العربي يعود إلى لبنان

 

عودة السفيرين السعودي والكويتي إلى بيروت، تنمُّ عن أمرين يجمعان إليهما جملة من الأجواء والإستنتاجات، يكللها عنوان عريض بترحيب وطني واسع بهذه الخطوة التي جاءت في وقت حافل بالتوقعات والإحتمالات، يهمنا منها أنها خطوة أعادت إلى الحياة ترسيخ الوجود العربي في لبنان، بعد أن كادت القطيعة العربية أن تسهم في ترك المجال فسيحا أمام تمدّد الوجود الإيراني على أرضه، واضعا يده على دولته بغالبية أسسها وتوجهاتها ومصالحها وأركانها السيادية والميثاقية، وقد تم ذلك وسط أجواء انتشرت أصداؤها التفاؤلية في الأرجاء المحلية والإقليمية والدولية، دون أن نغفل جملة من المواقف الناتجة عن تحرّكات معاكسة تختزن تحسبات وتحفظات من قبل الحزب الذي سارع إلى لملمة بعض المواقع المتحالفة معه والقريبة إليه (جمع السيد حسن كُلاًّ من رئيس المردة سليمان فرنجية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل)، والتوجه بأنظاره وتوقعاته إلى ما يمكن أن يصل إليه من مقررات ناتجة عن المفاوضات الاميركية – الإيرانية، بكل احتمالاتها التي يمكن أن يتناول بعضها الأوضاع اللبنانية ومدى ما سيطاول منها مجمل الوضع السيادي والميثاقي على ساحتها. وعليه، وانطلاقا من كل هذه التطورات التي تجمد الأوضاع المستجدة على حال من الترقب والتحسب، لا يسعنا بعد قراءة الأحداث العامة على الساحات المحلية والإقليمية والدولية، وبعد التركيز على عودة السفيرين العربيين في هذه المرحلة بالذات، وبعد مراقبة مجمل الأوضاع العربية ومواقفها تجاه تطورات الوضع اللبناني، ومن بينها موقف دولة الكويت الشقيقة التي تلعب في هذه الظروف شديدة القساوة والحساسية في المنطقة العربية عموما وفي لبنان خصوصا، دورا هاما حافلا بالجهود الداعية والعاملة على تحقيق عودة الأوضاع إلى أحوالها الطبيعية، لا يسعنا بعد كل هذه المستجدات إلاّ أن نستنتج أن خيرا ما بات متوقعا على هذه الساحة التي أصيبت بشتى أنواع الدمار والخراب والتراجع المقيت إلى أجواء «جهنم»، وإلى محاولات متأخرة في الأيام القليلة المتبقية من حياة هذا العهد والصراعات الشعبوية المرتبطة بالإنتخابات ومتطلباتها الرامية إلى شدّ العصب الطائفي والمذهبي والمناطقي دون أن يتمكن المبدأ المعتمد في هذه الظروف المتأخرة (ما خلّونا) من اقناع الناس بالصحوات التي يصعب الإقتناع بحماسها ومنطقها.

 

وبعد، لا بدّ لنا من الإشادة بمباشرة السفير السعودي مهامه على الساحة اللبنانية في بدايات شهر رمضان المبارك من خلال دعوات للقاءات رمضانية بدأت بدعوة سماحة مفتي الجمهورية وبعض أركان دار الفتوى إلى عشاء رمضاني ستعقبه زيارة يقوم بها سعادة السفير لدار الفتوى، ويلحقها بدعوات ولقاءات مع مسؤولين آخرين، ومن أهمها ذلك اللقاء الرمضاني الذي ضم إلى مائدة الإفطار، نخبة الساسة والزعماء اللبنانيين، وبذلك تبدأ مرحلة استعادة الأجواء الأساسية التي تعتبر أن هذا البلد هو جزء لا يتجزأ من العالم العربي، وأن مصالحه الأساسية لطالما كانت مرتبطة بهذا العالم، وفي مقدمته بلدان الخليج العربي التي لم تبخل، دونما طلب منه ولا منّة عليه، بكثير من المساهمات المادية والمعنوية، مكنته طوال عهود مديدة من تأمين كثير من احتياجاته البنيوية والمالية، وفي حالات التخبط والتعثر، ساهمت في تنظيم أوضاعه وإعادة الحياة والسلامة إليه. كان ذلك على سبيل المثال الساطع، حاله مع مؤتمر الطائف، ومع جهود مستمرة أقالته من عثراته وحمته من سقطات وتجاوزات كثيرة، دون أن ننسى في مطلق الأحوال، عشرات الألوف من اللبنانيين العاملين في المملكة والإمارات وسائر دول الخليج، في شتى الحقول والميادين، دون أن تكون هناك آثار سلبية على وجودهم على أرضها وفي صلب مصالحها، ناتجة عن اساءات ومواقف معادية ومسيئة إليهم متمثلة خاصة بحرب اليمن ومساهمة بعض اللبنانيين فيها، ومن خلال تسريب المخدرات بطرق متكررة إلى الأجواء الخليجية كما ومن خلال إعلام سيِّىء لطالما طاول المملكة بنابي الأقوال والتعليقات والمواقف، الأمر الذي أدى بالنتيجة بعد استفحال هذه الأمور المسيئة، إلى سحب السفراء وإلى توتير العلاقة اللبنانية – الخليجية إلى درجة الخصومة الشديدة والمقاطعة الإقتصادية وتوقف الزوار والسّواح الخليجيين عن زيارة لبنان، إضافة إلى جملة من السلبيات التي طاولتنا من خلال تدهور العلاقة والإرتباط الأخوي طيلة الفترة الماضية التي نأمل أن تكون مع عودة السفراء، تُنبىء عن مرحلة مختلفة، تعود بها العلاقات الخليجية اللبنانية إلى ما أمكن من سابق عهدها. لقد آن الأوان ليكون لبنان، بلد اللبنانيين جميعا، بوجه عربي وعلاقات عربية – لبنانية سليمة من كل المثالب وبعيدة عن كل العوائق والمطبات المصطنعة.