Site icon IMLebanon

«عزلة» لبنان.. من يملك مفتاح فكّها؟

 

تقول جهات سياسية معارضة: «نحن في حالة استثنائية تتطلّب سياسة خارجية استثنائية». إلّا أنّ الواقع يُشير الى أنّ سياسة الدولة اللبنانية وعلاقاتها الخارجية تشهدان انتكاسة وتراجعاً في الأداء والنتيجة. ولا يبدو أنّ أبواب الخارج، تحديداً الدول الخليجية – العربية، ستُفتح أمام أركان العهد أو أمام رئيس الحكومة حسان دياب، مع إعادة فتح المطار في بيروت. إذ إنّ فك عزلة لبنان هذه واستعادة علاقاته وصداقاته التاريخية، يتطلّبان عوامل عدّة غير متوافرة في السلطة الحالية، حسب مصادر وزارية سابقة، تقول: «لم يتركوا صاحباً للبلد».

يُمارس لبنان الجزء الأكبر من سياسته الخارجية في الداخل، عبر لقاءات المسؤولين مع سفراء وممثلي الدول الخارجية والمنظمات العالمية. وقبل أن تغلق جائحة «كورونا» مطارات العالم وتحجر الناس والمسؤولين، كان لبنان شبه محجور. ولم يتمكّن أيّ مسؤول من خلال «علاقات شخصية» أو بقوة الديبلوماسية الرسمية، أن يفتح أبواب دعم ومساعدات للبلد، خصوصاً أنّ ملامح الإنهيار كانت ظاهرة.

 

ويشرح وزير سابق، عمل على ملفات مع الخارج، أنّ «موقف لبنان السياسي وأثر سياسة «حزب الله» عليه وما نتج منها من زعزعة علاقاته الخارجية، ليست السبب الوحيد في تردّي هذه العلاقات، بل هناك سببان آخران رئيسيان: الفساد والإحجام عن تنفيذ الإصلاحات، وفوقية المسؤولين عن السياسة الخارجية في التعامل مع الخارج في السنوات الأخيرة، حيثُ كانت الحجج التي يملكها لبنان ترتد علينا سلباً بدلاً من أن تشكّل ورقة ضغط، وهذا بسبب إعتماد «العناد» بدلاً من المرونة والواقعية السياسية ومخاطبة مصالح الخارج».

 

وتقول مصادر نيابية مُطّلعة، إنّ «مشكلة لبنان الأساسية الآن هي عدم صدقيته في تنفيذ تعهداته. فالخارج برمّته يقول للبنان نريد أن نساعدك فعلاً لكن عليك أن تساعد نفسك أولاً. وهذا ما لم يحصل بعد». ويوضح، أنّ «الأداء الداخلي ينعكس على علاقاتنا الخارجية. فهذه الحكومة لا تملك القرار السياسي، بل تُجبر على تطبيق قرارات أفرقاء سياسيين، على رغم قول رئيسها إنّها «لا تشبهني». وتشير الى أمر أساسي يغيب عن السلطة الحالية وهو «تأثير القرارات الداخلية خارجياً». وترى أنّه لإخراج لبنان من أزمته الراهنة عليه أن يعمل بالتوازي وفق الطريقة الآتية: النأي بالنفس، إجراء الإصلاحات، إنجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وتفعيل العلاقات الخارجية وتعزيزها عبر هذه المفاتيح».

 

وفي حين اتجهت وفود عدة، ومنها نيابية، الى الولايات المتحدة الأميركية، لإيضاح موقف لبنان وسعياً الى تجنيبه العقوبات، في أعوام 2016 و2017 و2019، تغيب في الفترة الأخيرة سياسة «طرق الأبواب» لنقل معلومات ومعطيات الى الخارج عن حالة لبنان وملفات عدة ليس على دراية بها.

 

كذلك، إنّ ملف النازحين، الذي كان يُمكن أن يُشكّل ورقة ضغط لبنانية على الخارج، خصوصاً على الأوروبيين، مثلما فعلت تركيا، تحوّل نكبةً إضافية للبلد. حتى عربياً لم يُعمل على هذا الملف كما يجب، حسب ما يقول وزير سابق، ويؤكّد أنّه «كان يجب حمل ورقة «الديمغرافيا» وإقناع العرب بإستضافة النازحين الموجودين في لبنان».

 

أخيراً، برزت مواقف خليجية في وسائل إعلامية، تؤكّد أنّ لا دعم قريباً للبنان، في ظلّ «سيطرة حزب الله». ولم يسعَ لبنان جدّياً لمعالجة العلاقة مع الدول العربية والخليجية، التي كان موقفها منه ظاهراً، وتبدّى في مقاطعة الغالبية الساحقة للرؤساء والقادة العرب لـ «القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية» التي عُقدت في بيروت مطلع عام 2019.

 

وترى جهات معارضة، أنّ «لا سياسة خارجية للدولة اللبنانية» في الفترة الأخيرة، وتقول: «بالكاد هناك سياسة صحية لمواجهة «كوفيد-19»، وهي تضمحّل مع الوقت». وتسأل: «في ظلّ الحالة الإجتماعية الإقتصادية المالية الراهنة، حيث يرزح المواطن اللبناني تحت الضغط يومياً، أين يجب أن يكون المسؤولون؟ ألا يُفترض أن يجولوا على دول العالم عبر وفود رفيعة وبتقنيات معينة، ليدافعوا عن حقوقنا وحاجاتنا، وفق سياسة «الدفاع عن الحالة»، خصوصاً في ملف النازحين؟، لكي يفهم المجتمع الدولي حالة لبنان الخاصة عملياً وبالعمق، وهذا بدلاً من عقد إجتماعات داخلية لا فائدة منها؟».

 

وتؤكد أنّ من أبرز مشكلات لبنان «غياب التخطيط وإعداد سياسة جدّية والعمل على تنفيذها بذكاء وبمقاربات علمية وعملية، تنطلق من مصلحة الدولة وليس أطرافاً فيها، من السياسة الزراعية.. وصولاً الى السياستين الإقتصادية والخارجية. وبدلاً من ذلك، تستمرّ الدولة في إعتماد سياسة «الترقيع». وإذ تشير الى أنّ «قانون «قيصر» وغيره من العقوبات الأميركية التي يتأثر بها لبنان، يعلم بها المسؤولون منذ 8 أعوام»، تسأل: «مَن تابعها وعمل عليها جدّياً؟ لماذا لم تُشكّل لجان وتُتخذ مبادرات في شأن العقوبات، لتخطّيها أو تعديلها أو استيعابها؟».

 

وفي حين تقتصر علاقات رئيس الحكومة حسان دياب الخارجية على اتصالات بروتوكولية وبرقيات تهنئة من عدد من المسؤولين الخارجيين، تسأل مصادر السرايا: «أي دولة في العالم تفتح على نفسها والآخرين في ظلّ «كورونا» وأين الزيارات الرسمية الدولية؟»، مشيرةً الى أنّه بين نيل الحكومة الثقة وإستفحال الفيروس لم يمرّ إلّا 11 يوماً.

 

لكن ماذا عن الإتصالات الهاتفية التي لم تنقطع خلال أزمة «كورونا»؟ تجيب المصادر نفسها: «هناك تواصل دائم بين دياب والفرنسيين، ومنهم وزير الخارجية الفرنسي، كذلك اتصل مسؤولون قطريون وكويتيون ورئيس مجلس الوزراء المصري بدياب، وهي ليست اتصالات ديبلوماسية فقط».

 

لكن على رغم هذا، لا تلوح في الأفق زيارات لدياب لمسؤولين في دول فاعلة قريباً. وتقول جهات سياسية قريبة من الدول الخليجية: «على رئيس الحكومة مخاطبة الوجدان العربي. فهل دياب قادر على ذلك، ومعروف من أتى به الى رئاسة الحكومة؟ وهل أي من فريق العهد حليف «حزب الله» و»مُغطّيه» قادر على هذا؟».

 

ويرى سياسي عريق، أنّ «جوهر لبنان تغيّر في العهد الحالي، وأنّ السياسة الخارجية ليست مقتصرة على زيارات أو علاقات، إنّما أساسها تحقيق أهداف لبنان ومصالح شعبه، وإستمراره في لعب دور صلة الوصل بين الشرق والغرب، لا أن يُصبح طرفاً أو يسير في اتجاهٍ واحد. إلّا أنّ سياسة المسؤولين الداخلية والخارجية تنطلق من الشخصانية لا من ممارسة الخدمة العامة، وبالتالي لا إنفراج قريب، لا داخلياً ولا خارجياً».