عملية «عض الأصابع» المحتدمة في منطقة الخليج ومضائقه، ترسم حدوداً للمواجهة الراهنة بين أميركا وإيران، على خلفية العقوبات الأميركية الأخيرة ضد طهران، تبقى خلالها احتمالات اندلاع حرب شاملة بين الطرفين أمراً مُستبعداً.
الإدارة الأميركية أعلنت مراراً، وعلى لسان رئيسها دونالد ترامب، أنها لا ترغب بالحرب مع إيران، وكبار المسؤولين في الأخيرة كرروا رفضهم المفاوضات مع واشنطن تحت الضغط، ولكنهم لا يرغبون بالمواجهة العسكرية المباشرة مع الأساطيل الأميركية المتواجدة في مياه الخليج.
غير أن الاعتداءات المتنقلة بين ناقلات النفط، والمواقع المدنية السعودية، والتي تضع التصرّفات الإيرانية في دائرة الشبهات، أدخلت عناصر توتر وتصعيد في المواجهة الحالية، من شأنها أن تقود إلى عمليات عسكرية محدودة، من باب الرد على المغامرات الإيرانية في تعريض إمدادات النفط العالمية للخطر.
كل المعلومات والتحاليل المتداولة عن المصادر السياسية والعسكرية الغربية تُشير بأصابع الاتهام إلى طهران بالتورّط في الهجمتين على الناقلات، وفي تسليح الحوثيين بالصواريخ وطائرات «الدرون» لشن الاعتداءات على الأهداف السعودية الحيوية، بما فيها المطارات المدنية، كما حصل في مطار أبها، مما يعني أن الإيرانيين يحاولون اللعب بالنار، بحجة الرد على العقوبات الأميركية، التي أدت إلى شد الخناق على الاقتصاد الإيراني، وتسببت بتدهور مستمر للعملة الإيرانية، حيث وصل «التومان» إلى أدنى مستوياته في الأسابيع الأخيرة، وتدهورت الأوضاع المعيشية بشكل غير مسبوق.
من الواضح أن طهران تتعمّد استخدام أذرعها الميليشياوية والعسكرية الموزعة في عدد من دول المنطقة، وخاصة الحوثيين في اليمن، و«الحشد» في العراق، للقيام بهذه العمليات من باب إثبات الوجود، والقدرة على التحرّك رغم قيود العقوبات المتشددة، والمجازفة باحتمالات جرّ القوات الغربية المتواجدة في المنطقة إلى ردود عسكرية محدودة، ولكن موجعة، تزيد الوضع تعقيداً، ولا تساهم بتسريع الحلول المناسبة لهذه الأزمة المتفاقمة.
الإصرار الإيراني على التصعيد في منطقة الخليج، ما زال يُقابل بسياسة ضبط النفس من الجانب الآخر، وخاصة المملكة العربية السعودية التي خاضت معركة ديبلوماسية مدروسة وموفّقة في استضافتها لثلاث قمم: خليجية وعربية وإسلامية، حصلت في نهايتها على تضامن واسع من الدول المشاركة في مواجهة الاعتداءات الإيرانية المتخفية بقناع الحوثيين. وجاء الاعتداء الأخير على الناقلتين في بحر عُمان، ليؤكد من جديد صوابية الموقف السعودي بأن تأمين حماية خطوط الإمدادات النفطية ليس مسؤولية السعودية وحدها، بقدر ما هي مسؤولية المجتمع الدولي ودوله المستفيدة من نفط المنطقة.
ثمة معلومات متناقضة حول نتائج الوساطة اليابانية وما توصلت إليه زيارة رئيس الوزراء الياباني «شينزو آبي» إلى العاصمة الإيرانية، بالنسبة لترجيح خيار المفاوضات بين واشنطن وطهران، وتجاوب الأخيرة مع دعوات ترامب للتفاوض. وما تسرب على هامش هذه الزيارة يُشير إلى بدء اجتماعات على «مستوى الخبراء» من الجانبين، تمهيداً للمفاوضات المنتظرة، والتي من المرجح أن تبدأ في الشهر المقبل، بعد مؤتمر البحرين وقمة العشرين في الأيام الأخيرة من الشهر الحالي. وعلى ضوء نتائج تلك المفاوضات سيتحدد مسار الأزمة الراهنة، انفراجاً أو انفجاراً، رغم محاولة ترامب تجنب الدخول في أي حرب شاملة، عشية بدء موسم الانتخابات الرئاسية في أميركا.
أما رفض دول مجلس التعاون الخليجي الدعوات الإيرانية المتكررة للتفاوض حول أمن الإقليم، فيعود إلى اعتبار هذه الدعوة بمثابة محاولة ساذجة لدق إسفين بين الدول الخليجية ودول التحالف الغربي الذي تقوده أميركا حالياً، فضلاً عن أن كل المفاوضات السابقة، والتي جرت مع أكثر من رئيس إيراني، لم تؤدِ إلى النتائج المتوخاة منها، لأن إيران كانت تنفذ أجندتها في المنطقة، مستغلة ظروف المهادنة إبان مراحل المفاوضات! وتُحمّل الأوساط الخليجية طهران مسؤولية تفاقم الأزمة الراهنة، بسبب إصرارها على سياساتها المعادية لدول المنطقة، والتدخلات المتمادية في شؤونها الداخلية، وتهديد أمنها القومي، على نحو ما يحصل حالياً في اليمن، بعد انقلاب الحوثيين على التسوية الوطنية، التي تم التوصل إليها بين مختلف الأطراف السياسية في صنعاء، بمن فيهم الحوثيون!
لا يتوقع أهل الخليج استمرار الوضع الراهن في المنطقة فترة طويلة: إيران غير قادرة على تحمّل هذا الحصار طويلاً، والإدارة الأميركية ستنصرف إلى الاهتمام بمجريات الانتخابات الرئاسية بدءاً من الخريف المقبل.
فكيف سيكون المخرج: سياسياً وديبلوماسياً، وهو المرجح، أم أن ثمة مفاجآت سترجح الحل العسكري، رغم كل عوامل استبعاده؟