IMLebanon

الإرادة خليجية، الرعاية أميركيّة والمصلحة لبنانيّة

غالباً ما يكون التوقيت هو العنصر الاول الذي يمكن ان يؤدّي الى نجاح أو فشل قرار ما. وما ينجح اليوم يمكن أن يفشل اذا تأجّل الى الغد، والعكس صحيح. هذا ما يجعل من الأزمة بين لبنان ودول الخليج العربي في توقيتها، أخطر بكثير مما يظن البعض.

لا يختلف اثنان على أن الوضعين الاقتصادي والمالي يمران في مرحلة دقيقة وحسّاسة. ولكثرة ما كان البعض يُهوّل في السابق، عن حق أو عن غير حق، ساد اعتقاد شعبي مفاده ان كل التحذيرات التي يطلقها أصحاب المصالح هي تحذيرات مشبوهة تنطوي على مُبالغة هدفها خدمة مصالح هؤلاء، أو في أحسن الأحوال، تحقيق غايات لا علاقة لها بوجود خطر حقيقي على الوضعين المالي والاقتصادي في البلد.

هذا الاعتقاد الشعبي الحالي غير صحيح، سواء تحمّل مسؤولية تعميمه من كان يبالغ في التهويل، أو يتحمّله النقص في الثقافة المالية والاقتصادية، لدى غالبية المواطنين. لكن المشكلة اليوم على المستويين المالي والاقتصادي حقيقية، سواء أراد ان يصدّق المشككون ام لا.

انطلاقا من هذا الواقع، يمكن النظر الى الأزمة مع دول الخليج العربي في هذا التوقيت على أساس انها «قاتلة»، اذا ما تصاعدت وعجزت محاولات الاستيعاب عن لجمها. من خلال التقديرات الدولية المتخصصة يتبيّن أن دول الخليج النفطية سوف تعاني من عجزٍ مالي كبير في السنوات الخمس المقبلة.

وكانت تقديرات صندوق النقد الدولي قد أشارت الى عجز سيصل الى حوالي تريليون دولار، على اساس ان السعر الوسطي لبرميل النفط سيكون 50 دولارا. لكن بقاء معدل سعر البرميل على 35 دولارا يعني ان العجز المقدّر قد يرتفع الى حوالي تريليون ونصف التريليون، وهو رقم ضخم، حتى بالنسبة الى دول يعتبر دخلها من النفط كبيرا جدا.

وقد وصل العجز الوسطي في الميزانيات الخليجية العام 2015 الى ما نسبته 13 في المئة من أجمالي الناتج المحلي، وهذه النسبة مرتفعة، لكنها مرشحة الى الارتفاع اكثر في السنوات الخمس المقبلة، وقد تصل الى 20 في المئة. وللمقارنة، فان العجز في ميزانية لبنان يتراوح بين 10 الى 15 في المئة من الناتج المحلي.

هذا الوضع يعني ان الاقتصاد اللبناني المرتبط عضوياً بالاقتصاد الخليجي، من دون الدخول في تفاصيل الأرقام التي تبدو عشوائية أحيانا بسبب اندفاعة البعض الى المبالغة لتسليط الضوء على المخاطر، او حماسة البعض الاخر الى تقزيم المشكلة الى حد القول ان لا تأثيرات تُذكر على القطيعة بين لبنان والخليج، سوف يعاني من ضربة قاصمة اذا لم تتم المعالجة السريعة لهذه الأزمة.

على غرار ما يجري بين لبنان والولايات المتحدة الاميركية التي تبيّن ان لا امكانية لتغيير موقفها قيد انملة في قانون محاربة تمويل حزب الله، لكنها في الوقت نفسه تحرص على سلامة الوضعين المالي والاقتصادي في لبنان، كذلك صار واضحاً اليوم، ان دول الخليج اعتمدت قرار «الحزم» في التعاطي مع ملف حزب الله، وعلى السلطات اللبنانية ان تتعاطى مع حكومات هذه الدول انطلاقاً من هذا الواقع. بمعنى ان المطلوب اليوم، لم يعد العمل على معالجة العلاقة بين دول الخليج والحزب، بل على التعايش والفصل قدر الامكان بين الحزب والدولة اللبنانية.

الناحية الايجابية في هذا الموضوع، ان ما سمعه الوفد النيابي اللبناني في واشنطن يشبه الى حد بعيد ما يسمعه عدد كبير من اللبنانيين في هذه الفترة من اصدقائهم الخليجيين. في الولايات المتحدة، تأكيد جازم وحاسم على حماية الامن الاقتصادي في لبنان، واشادة كبيرة بالدور الذي يضطلع به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حماية هذا الأمن. وفي الخليج، كلام رنّان بالتعلّق بلبنان واستقراره، ولو ان العتب يكون على قدر المحبة احيانا.

ما يُطمئن اليوم، ان الولايات المتحدة التي تربطها بدول الخليج علاقات مودة وتفاهمات غير قابلة للعزل، مُقتنعة بأن حماية استقرار لبنان تمر عبر الأمن الاقتصادي والمالي. وبالتالي، فان لبنان الرسمي يستطيع ان يعتمد على هذه القناعة، شرط ان يتمّ بذل مجهود لتحسين الصورة والانطباع وطريقة التعاطي، لاجتياز هذه الأزمة.

ومن المؤكد، ان حكومات دول الخليج ستكون جاهزة للتجاوب وملاقاة اللبنانيين الى منتصف الطريق. مع الاشارة هنا، الى ان اقتصادنا ووضعنا المالي، من دون وجود قطيعة مع الخليج يعانيان من مشكلة صعبة.

وتماما كما كنا شركاء غير مباشرين في الثروة النفطية منذ الستينيات، وغرفنا من خيرات الخزان النفطي لسنوات طويلة، من البديهي اننا كشركاء، سوف نتحمّل مع دول الخليج تبعات تراجع مداخيل النفط، بالنسبة نفسها تقريبا لهذا التراجع.

لكن أن يتواكب هذا التراجع القسري، مع انهيار ارادي نسعى اليه من خلال افتعال أزمة مع الخليج، فهذا ما لا نستطيع ان نتحمّله، وهذا ما ستتم معالجته حُكماً في الايام المقبلة، بتلاقي الارادتين اللبنانية والخليجية، وبرعاية أميركية على الأرجح.