IMLebanon

دور غوتيريش في ظل التعطيل

 

 

تتسابق مظاهر وتداعيات الانهيار الاقتصادي المعيشي في لبنان مع مساعي المجتمع الدولي من أجل الحؤول دون الارتطام الكبير، فيما يسعى بعض الدول المتابعة لتفاصيل التردي الحياتي وتصاعد نسبة الفقر إلى الاحتياط لإمكان تحول لبنان إلى دولة فاشلة بالكامل، وفق تحذير مسؤول في البيت الأبيض قبل يومين، رغم ركون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى أن الدول الكبرى أوحت له بأنها لن تسمح بسقوط البلد إلى هذا الدرك.

 

مع هذه التطمينات، ما زال بعض الدول يتخوّف من السيناريو السوداوي. ولربما يساعد تكثيف اهتمامها بتقديم المساعدات الإنسانية في تجنب الارتطام الكبير، لأنها مساعدات تدخل بعض الأموال إلى سوق العملات من جهة، أو تسد بالمساعدات العينية الغذائية والطبية بعض الحاجة إلى الدولار الذي يصعب توفيره بغياب المشاريع الاستثمارية جراء انعدام الثقة، من جهة أخرى.

 

المناخ الدولي الذي يرصد تفاصيل التردي في لبنان، والخشية من أن يستفيد “حزب الله” من الفوضى التي يمكن أن تنشأ عنه من جهة، ومن أن تكون هذه الفوضى أرضاً خصبة لانتعاش التطرف الإسلامي كما في دول أصيبت بهذا الداء نتيجة انهيار الدولة من جهة ثانية، وساحة تسمح لمزيد من الدول أن يكون لها موطئ قدم فيه، كانت أحد الدوافع الرئيسة لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

 

تتساوى روسيا وواشنطن وباريس والعواصم الأوروبية في القلق من كل هذه الاحتمالات، من باب الحرص على ألا تضاف دولة جديدة إلى الدول التي باتت ساحات للتدخلات على أنواعها والتي يمكن أن تغذي إمكان تسعير النزاعات الطائفية. وكل من العواصم الكبرى، على اختلافاتها وتناقضاتها ونزاعاتها، لا سيما بين موسكو ودول الغرب، لديها أسبابها وهواجسها في هذا السياق.

 

ورغم الاعتقاد بإمكان حصول توافق دولي وإقليمي حول منع سقوط لبنان في براثن الفتن والفوضى جراء تحوله دولة فاشلة، فإن هذا التوافق لا يشمل إيران التي تستمرئ استخدام نفوذ أداتها في الإمساك بورقة لبنان وتعطيل الحلول التي يسعى الغرب إلى إرسائها في البلد الصغير.

 

بات واضحاً أن أبرز النقاط التي تسعى الدول المعنية إلى معالجتها للحؤول دون الانهيار الشامل، هي المتعلقة بدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية كي تستمر صامدة وقادرة على منع الانتقال إلى الفوضى، بموازاة الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي على السلطة الحاكمة حتى تعيد الروح إلى الحكومة وتتخذ قرارات تسمح برفع مستوى المساعدات، من المستوى الإنساني إلى المستوى الاقتصادي، ولوضع البلد على سكة الحلول. فالدول الغربية الفاعلة في لبنان تتفهم أن تضع حكومة ميقاتي أهدافاً متواضعة في خطواتها، نتيجة الانسداد السياسي الذي يمنع إحداث تقدم جوهري في برنامج الإصلاحات والاتفاق على خطة تعافٍ اقتصادي وتصحيح مالي مع صندوق النقد الدولي الذي يعترض عليه “حزب الله”، لكنها تدعو الحكومة وسائر رجال السلطة إلى أن تكون طموحة أكثر ولا تخضع للأمر الواقع الذي يعيق عملها، وقول غوتيريش عشية وصوله إن “إيجاد الحلول الدائمة لا يمكن أن يأتي إلا من قلب لبنان”. وهو ما يعبر عنه دبلوماسيون أوروبيون بالقول إنه على رغم تداخل الأزمة اللبنانية مع الوضع الإقليمي المعقد، فإن على القادة السياسيين اللبنانيين أن يكفوا عن الاختباء وراء القضايا الجيوسياسية لأن الحلول المطلوبة لأزمة البلد يجب أن تأتي من الداخل. كما عليهم أن يتوقفوا عن التذرع بالحلول التي تأتي من المعادلات الإقليمية، لأن حداً أدنى من التوافق الداخلي يوفر على لبنان الكثير من الوقت المهدور. ومع ذلك فإن اليأس من حصول التوافق الداخلي، في انتظار حصول تغيير ما بعد الانتخابات النيابية أو الرئاسية يدفع الدول الغربية إلى اجتراح أساليب من أجل التخفيف من عملية هدر الفرص التي يمارسها بعض القادة اللبنانيين، وأهمها خلال السنة الأخيرة فرصة اهتمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بانتشال البلد مما هو فيه.

 

الآليات التي يجري البحث في اعتمادها من أجل تقديم المساعدات الإنسانية عبر منظمات المجتمع المدني، وهي إحدى النقاط المهمة التي اتفق عليها في اجتماع جدة الفرنسي السعودي في 4 كانون الأول، تتوخى اشتراك الأمم المتحدة وأمينها العام فيها. حتى المساعدات المالية للجيش لدعم رواتب جنوده وضباطه، والتي أطلقت واشنطن البحث فيها وتأمل أن تساهم فيها الدول الخليجية، للأمانة العامة للأمم المتحدة دور منتظر فيها، إذا تمكنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من إقناع الكونغرس بصيغة تطبيقية تتلاءم مع الأنظمة الأميركية.