IMLebanon

غوتيريش في زيارة “أمم متحدة” لبنانية

 

 

كان داغ همرشولد يصف، من باب تجربته، الأمانة العامة للأمم المتحدة بأنها “أصعب وظيفة في العالم”. وهناك من رأى أن الأمين العام “بابا علماني”. فعلى طاولته كل أزمات العالم وكوارث شعوبه، لكن الحلول ليست معه. وهو مضطر لأن يستخدم أرفع أنواع الديبلوماسية في الحوار مع القادة الذين يصنعون الأزمات ويمسكون بمفاتيح الحلول. أما في لبنان المدفوع الى “جهنم” مع “إفقار جماعي للموظفين” كما قال مقرر الأمم المتحدة المعني بالفقر وحقوق الإنسان، فإن الأمين العام أنطونيو غوتيريش صاحب الشعور الإنساني العميق وجد من واجبه مخاطبة المسؤولين بقوة وصراحة. ليس فقط لفظاعة الأزمات بل أيضاً لأن المسؤولين أغلقوا طريق الإنقاذ. إذ “ليس لديهم الحق أن ينقسموا في هذه اللحظة الدراماتيكية، حيث الإنقسامات شلت المؤسسات وأدت الى استحالة التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي واستحالة إطلاق برامج إقتصادية فعالة لبدء البلد بالإنتعاش”.

 

ذلك أن غوتيريش جاء برسالة واضحة: “التضامن مع الشعب البناني”. و”نحن معكم”، فكونوا مع أنفسكم، لأنه “لا حل إلا من داخل لبنان”. لكن الأمين العام يعرف وزيارته ستزيده معرفة بأنه انتقل من الأمم المتحدة التي يشلها أو يحركها الكبار الى “أمم متحدة” رسمياً متصارعة عملياً في الوطن الصغير. هناك يتحكم بمجلس الأمن والعالم خمسة كبار يملكون حق “الفيتو” الذي يمنح كلاً منهم إسقاط أي مشروع لا يناسب مصالحه وحساباته. وهنا تمارس “الفيتو” من دون حق، قوى تمثل ثلاثة مذاهب كبيرة يستطيع أي منها تعطيل مجلس الوزراء ومجلس النواب وإنتخابات الرئاسة والإنتخابات النيابية، والإصرار على “قبع”المحقق العدلي في انفجار المرفأ طارق البيطار أو أقله منع التحقيق مع المسؤولين وكشف الجهة التي جاءت بنيترات الأمونيوم واستخدامها على مدى سنوات ومن حماها ولماذا جرى إهمال الخطورة حتى حدث الإنفجار الرهيب.

 

“إستحقوا شعبكم” صرخ غوتيريش. لكن كثيرين يرون أن الشعب الذي صار “أمماً متحدة” مرتبطة بأكثر من جهة، يستحق المسؤولين الذين أذلوه وأفقروه وشاركوا سارقيه والمقامرين بودائعه في المصارف، ويصرون على أن يحتفظ هؤلاء بالأرباح والغنائم خارج لبنان، وأن يدفع المودعون خسائر المصرف المركزي والمصارف. وهم مسؤولون ليسوا مسؤولين أمام الشعب، ولا يعبأون بمواقف العالم ومطالب الدول التي تريد أن تساعدنا. فما يطلبه غوتيريش منا ولنا هو ما نطلبه لأنفسنا وما سمعناه من أميركا وأوروبا وروسيا والصين والدول العربية من دون فائدة.

 

مفهوم إصرار العالم على دعم الجيش وقوى الأمن والأجهزة الأمنية لمنع الإنزلاق الى الفوضى وإبقاء البلد واقفاً على قدميه حتى تصبح الحلول ممكنة. لكن من الصعب تجاهل واقع جيش وقوى أمنية بلا دولة في مجتمع فقير وبلد مفلس.

 

وقديماً قال إبن خلدون: “البلدان الكثيرة العصائب قلّ أن تستحكم فيها دولة”.