لا يزال القرار 1701 مطروحاً على طاولة البحث لا سيما بعد انتهاء حرب غزّة، بعد أن باتت مسألة تعديله التي جرى الحديث عنها في الفترة السابقة، أمراً غير ممكن. وما يلفت النظر أنّ الدول الغربية والأوروبية تُطالب اليوم بتطبيق بعض بنوده، دون سواها، في حين أنّ ما طلبه القرار المذكور من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، فيما ينصّ عليه في الفقرة 10 بالنسبة لوضع اقتراحات “لترسيم حدود لبنان الدولية، خصوصاً في تلك المناطق حيث هناك نزاع أو إلتباس حولها، بما في ذلك مزارع شبعا وتقديم تلك الإقتراحات الى مجلس الأمن في غضون 30 يوماً”، لم يُنفّذ منذ ذلك الوقت.. لا من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان آنذاك الذي أنهى مهامه في كانون الأول من العام 2006 ، ولا من خلفه بان كي مون الذي بقي في منصبه عشر سنوات، ولا حتى من قبل الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش الذي تولّى منصبه أوائل العام 2017.. فيما لا تزال تصدر التقارير الدورية عن الأمين العام للأمم المتحدة عن تطبيق القرار 1701، من دون تقديم أي اقتراحات.
وهذا الأمر، وإن دلّ على شيء، على ما ترى مصادر سياسية مطّلعة، فعلى أنّ الأمم المتحدة نفسها لم تهتمّ بهذا الأمر منذ صدور القرار 1701 في 11 آب 2006، ولم توله أي اهتمام. علماً بأنّه تمكّن من المحافظة على الأمن والهدوء في المنطقة الجنوبية منذ ذلك الوقت، وإن جرى خرقه عشرات آلاف المرّات من قبل العدو الإسرائيلي، في أوقات محدودة، في حين لم يقم لبنان بأي خرق جدّي لا للخط الأزرق ولا لأي تدبير آخر ممّا ينصّ عليه القرار. فلماذا يتمّ اليوم المطالبة بتطبيق بنوده من لبنان، دون أن تطبّق “إسرائيل” ما هو مطلوب منها في هذا القرار لجهة الانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة لا سيما من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر (الذي بات يُسمّى اليوم في لبنان “خراج بلدة الماري” في حين لم تتمّ الموافقة على تعديل هذا الاسم في مجلس الأمن لدى التجديد لمدة سنة لمهام قوّات “ليونيفيل” في الجنوب في أواخر آب الماضي). كما القرار 425 الذي ناشدها في الفقرة 2 منه أن “توقف فوراً عملها العسكري ضدّ السلامة الإقليمية للبنان وأن تسحب على الفور قوّاتها من جميع الأراضي اللبنانية”.
وأكّدت أنّ اي تعديل للقرار 1701 لم يعد مطروحاً، وإن حاول البعض إثارة هذا الأمر لتحقيق بعض المكاسب السياسية، وإن تغيّر الوضع اليوم عند الجبهة الجنوبية وبدء تبادل القصف المدفعي منذ 8 تشرين الأول المنصرم، بين “حزب الله” والعدو الإسرائيلي. غير أنّ هذه المواجهات العسكرية تبقى محسوبة ومعروفة الأهداف، على الأقلّ من قبل “حزب الله” الذي لا يريد أن يُشعل حرباً، لكنّه يساند في “حرب غزّة” كونه لا يمكنه الوقوف على الحياد فيما الحرب مستعرة على الشعب الفلسطيني في غزّة.
ولفتت المصادر نفسها الى أنّ الكلام الإسرائيلي لا يخلو من التناقض، وهو يتبدّل من يوم الى آخر. وقد وصل أخيراً الى “إعطاء فرصة لمعالجة الأمر عند شمال الليطاني عن طريق الحلّ الديبلوماسي وليس العسكري”، على ما هدّد في فترة سابقة. وهذا يعني ذلك، على ما نقل بعض السفراء الغربيين، الى المسؤولين اللبنانيين إنّ مسألة ترسيم الحدود البريّة جديّة، وسيتمّ العمل عليها فور انتهاء حرب غزّة، وهي أسهل بكثير من مسألة ترسيم الحدود البحرية. فحدود لبنان مرسّمة ومثبّتة، وثمّة وثائق ومستندات وخرائط تاريخية تدلّ على ذلك، وهي مودعة لدى الأمم المتحدة، ولا تحتاج سوى لنفض الغبار عنها..
من هنا، تجد أنّه في حال جرى التفاوض بوساطة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين، ونجح، وهو ليس بالأمر الصعب، فإنّه لا يعد هناك من أي حاجة للحديث عن القرار 1701. فثمّة أبواب يفتحها القرار المذكور تتعلّق بالـ 13 نقطة المختلف عليها عند الخط الازرق بين لبنان و”إسرائيل”. فلبنان يريد أن تصل حدوده الدولية الى ما تنصّ عليه “إتفاقية بوليه-نيوكومب” في العام 1923، واتفاقية الهدنة في العام 1949، وليس الى ما يرسمه الخط الأزرق على الأرض الذي هو خط إنسحاب وليس خط حدود دولية الذي جرى رسمه في العام 2000.. فالخط الأزرق يتعرّج في بعض النقاط ويقضم بعض الأراضي اللبنانية ويريد لبنان استعادتها. والتفاوض هنا ليس صعباً جدّاً خصوصاً مع الحديث عن حصول التوافق على 7 نقاط فيما تبقى 6 نقاط بحاجة الى المزيد من البحث.
وفي ما يتعلّق بخراج بلدة الماري أو القسم الشمالي من بلدة الغجر فهي أراضٍ لبنانية، على ما أوضحت المصادر عينها، ولا داعي للتفاوض بشأنها، لأنّه متفق على لبنانيتها… تبقى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وهي أراضٍ لبنانية بالطبع، وتدلّ على ذلك وثائق تاريخية كثيرة. لكن هناك ما يُسمّى مغر شبعا فهي مملوكة من لبنانيين ومسجّلة في سوريا. ويقول السوريون إنّها أراضٍ لبنانية، ما يجعلنا بحاجة الى أوراق رسمية لإثبات لبنانية هذه المزارع تجاه الأمم المتحدة.
وأشارت الى أنّ ديباجة أي مقدمة القرار 1701 تتحدّث عن أنّ مجلس الأمن أخذ علماً بمقترحات الحكومة اللبنانية عن النقاط السبع حول مزارع شبعا. وكانت اقترحت وضع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في عهدة الأمم المتحدة، حتى الترسيم النهائي للحدود. وهذا يعني أنّ مجلس الأمن يأخذ بجديّة هذه المقترحات. كما ينصّ القرار نفسه على تكليف الأمين العام للأمم المتحدة وضع تقرير عن إمكانية إيجاد حلّ لمزارع شبعا وأن يرفعه الى مجلس الأمن في غضون 30 يوماً من تاريخ صدور القرار (في 11 آب 2006). ما يعني أنّه كان يُفترض من الأمين العام تقديم مقترحات الحلّ المتعلّقة بمزارع شبعا في 11 أيلول من العام 2006، فكيف تفسّر الأمم المتحدة اليوم عدم تطبيق هذا البند من القرار المذكور في ظلّ مطالبتها بتطبيقه؟!