قضي الأمر في الحدت. وقع الثنائي المسيحي، «التيار الوطني الحر» و «القوات اللبنانية»، في البلدة المحسوبة تاريخياً على البرتقاليين، في فخّ ما حاولا تجنّبه في البقع الساخنة.
بات عنوان معركة «الحدت» لا لبس فيه: ميشال عون بوجه سمير جعجع، مع تفصيل لا يمكن العبور عنه: محازبون عونيون أخذوا مكانهم على اللائحتين المتنافستين، من دون أن يتّجه رئيس «التيار الوطني الحر» لاتّخاذ إجراءات مسلكية بحق مَن لم يسحب ترشيحه على لائحة انطوان الكسندر كرم بوجه لائحة جورج عون المدعومة رسمياً من الجنرال ونوابه الثلاثة في القضاء.
وصل الأمر بين العونيين الى حدّ صدور بيان مذيّل بتوقيع شباب «التيار الوطني الحر» أعلنوا فيه ولادة لائحة «وحدة الحدت» برئاسة كرم، «التزاماً بتوجيهات العماد عون ومقرّرات التيار التي أكد عليها رئيسه جبران باسيل في مناسبات عدة»، وفق بيان «الشباب». في المقابل، صدر بيان مشترك عن منسّق هيئة قضاء بعبدا في «التيار الوطني الحر» ربيع طراف ومنسق هيئة «التيار» في الحدت فادي نصر يحملان فيه على المتاجرة باسم وموقع العماد عون، ويعلنان أن الهيئة المحلية في الحدت هي الجهة الوحيدة ذات الصلاحية في تقرير وإعلان الموقف من الانتخابات البلدية، وأنها أعلنت، وتكرّر، بعد مباركة من العماد عون ورئيس التيار باسيل، وموافقة الجمعية العمومية للمحازبين في الحدت، تأييدها الكامل للائحة «تضامن شباب الحدت» ورئيسها جورج ادوار عون».
عملياً، يصطفّ نواب قضاء بعبدا ومحازبو «التيار» خلف رئيس البلدية الحالي. في المقابل شكّل انضمام منسّق «القوات» في الحدت فادي خليفة رسمياً الى لائحة كرم، إضافة الى القواتيين جورج دباس ونجيب برباري وزياد مطر، المؤشّر الحاسم لمعركة عونية قواتية على أرض الحدت، مع العلم أن «الكتائب» ممثلة بمرشّحين على اللائحة هما باتريك صفير وايلي الجاموس. أما العونيون الستّة من حاملي البطاقات على لائحة كرم، فهمّ: جانين شرفان، ايلي اسمر، الياس حداد، وسام برباري، فؤاد الاسمر، وجوزف ونيس (سحبت البطاقة الحزبية منه سابقاً).
تحمّل أوساط لائحة عون مسؤولية سقوط التوافق في الحدت الى «القوات» مشيرة الى «أنه منذ شهر ونصف الشهر حصل اجتماع بين منسّق «التيار» في قضاء بعبدا ربيع طراف وبين منسّق منطقة بعبدا في «القوات» جوزف أبو جودة في محاولة لترجمة التحالف العوني القواتي بلدياً. وكان موقف أبو جودة واضحاً بأن هناك استعداداً قواتياً للتحالف في كل القضاء باستثناء الحدت، لأن الملف مجيّر حصرياً بقرار من معراب الى الوزير السابق طوني كرم». وتقول الأوساط عينها إن «قرار الأخير، أي طوني كرم، واضح بالنسبة إلينا منذ ذلك الحين ويقضي بدعم «القوات» للائحة أنطوان الكسندر كرم».
ولذلك تعاملت لائحة عون، كما تضيف الأوساط، مع واقع أن «القوات ومنذ الأعوام 1999 و2004 و2010 دعمت لائحة كرم، وبالتالي ليس هناك من سبب لتغيّر رأيها، لا بل أصرّت على ترشّحه مجدداً، ولم تختر وجهاً بلدياً جديداً مما أدى الى استنساخ تجربة الاصطفاف السياسي في العام 2010 حين تواجَه القواتيون والعونيون على أرض الحدث». وبالتالي فإن تعميم «معراب» بأنها تركت لناخبيها حرية الاقتراع في الحدت لا يخفّف من وهج معركة ستبقى محكومة بسقف التفاهم المسيحي الثنائي الذي سيجهد كي لا تخرج الأمور عن السيطرة.
على الأرض حافظت لائحة عون بشكل كبير على طاقمها الحالي، كما ضمّت مقربّاً من «القوات» هو روجيه شرتوني، إضافة الى أربعة ملتزمين في «التيار الوطني الحر».
تؤكّد «القوات» من جهتها أنه كانت هناك رغبة جدية في معراب بسلوك درب التوافق في الحدت «لكن التشاور مع النائبين ألان عون وحكمت ديب ولاحقاً ابراهيم كنعان لم يؤد الى أي نتيجة بسبب الموقف المتعنّت لجورج عون ورفضه التجاوب مع مطالبنا، فكان القرار بترشيح انطوان كرم».
وفيما تضع لائحة عون على رأس أولوياتها في الولاية المقبلة ما تعتبره مواصلة الدفاع عن الأرض والهوية تحت شعار «ما تبيع بيتك، ما تبيع أرضك، البلدية ما رح تمضيلك»، فإنها تتهم لائحة كرم بـ «استنساخ» برنامجها باستتثناء فقرة مكافحة بيع الأراضي.
وتتسلّح لائحة عون بما تقيمه كإنجازات سابقة ووعود جديدة باعتبارها بطاقة مرور مفترضة لولاية ثانية، الأمر الذي تصنّفه لائحة كرم وفق برنامجها الانتخابي «بالشعارات الفضفاضة ودغدغة شعور بعض المواطنين بالأحلام غير الواقعية»، معتبرة أن المجلس البلدي الحالي أوصل الحدت الى واقع ميؤوس منه بسبب «تحكّم الكراهية والمصالح الشخصية» بأداء هذا الفريق.
وتفيد أوساط لائحة كرم في هذا السياق «الأهمّ بالنسبة لنا أن ميشال عون يتفرّج ولا يضغط وسيصافح الرابح في نهاية المعركة البلدية». وتعتبر أوساطها أنه لم يضغط على المحازبين الذين انضمّوا الى لائحة انطوان كرم لدفعهم إلى الانسحاب، كما أن الوزير باسيل نفسه لم يكن حاضراً خلال مهرجان التضامن مع لائحة عون».
تنبئ شوارع الحدت بحصول معركة قاسية يتحضّر لها الطرفان جيداً. اللافتات والصور والملصقات وبيانات الترشيح تعكس سخاء مالياً في إدارة المعركة والتي وصلت الى حد دفع أقساط المدارس. هي التهمة التي يوجّهها أعضاء لائحة كرم لرئيس البلدية. الأمر الذي ينفيه تماماً عضو المجلس البلدي الحالي جورج حداد، أحد مناضلي «التيار الوطني الحر»، مؤكّداً «أننا لم نلجأ يوماً الى اسلوب الدفع وشراء الأصوات لأن الشفافية هي أسلوب عملنا، والدليل أننا البلدية الوحيدة التي تعرض امام المواطنين الحدتيين بكل شفافية بيانها المالي العام السنوي لناحية الواردات والرصيد المالي ومصاريف ونفقات البلدية والرواتب والأجور والمخصّصات والمساعدات الاجتماعية والمالية…».