منذ تأسيسه، اعتمد نظام حافظ الأسد على ممارسة العنف ضد شعبه وزعزعة استقرار الدول المجاورة لضمان استمراريّته. كان هذا النهج بمثابة وسيلة للحفاظ على وجوده الهشّ، هو الذي افتقر إلى أي شرعية يستند إليها، فعوّض هذا النقص بالقسوة القاتلة داخل سوريا وخارجها. بالتالي، ومنذ الثمانينيات ارتبط اسم نظام حافظ الأسد بالإرهاب، تماماً كما حصل مع نظام الخميني الذي اتّخذ من العنف السياسي العابر للحدود نهجاً أساسياً.
بدأ حافظ الأسد بدعم الإرهاب قبل أن يتولّى الحكم في سوريا في أوائل السبعينيات، وحين أصبح رئيساً، تحوّل الحفاظ على السلطة الى تحدّ دائم له. فسعى إلى اجتذاب الطائفة السنّية عبر ادّعاء مُحاربة إسرائيل كمحاولة لإيهامها بمُشاركة النظام في جهوده.
لكن، نظراً لقوة إسرائيل التي جعلت مهاجمتها بالوسائل التقليدية أمراً صعباً، لجأ الأسد إلى الأساليب غير التقليدية التي شملت الإرهاب، وتجلّت خلال تلك الفترة عبر عمليات اختطاف الطائرات واستهداف المدنيين الأبرياء. وفي هذا السياق، قدّم الاتحاد السوفياتي دعماً متنوعاً للإرهاب الذي رعته سوريا، بما في ذلك توفير الأسلحة، وخاصة مادة “السِمتكس” شديدة الانفجار، إلى جانب التدريب على استخدامها. فكانت محاولة نزار الهنداوي تفجير طائرة شركة العال المدنية في لندن بتاريخ 17 أبريل/نيسان، وعلى متنها 375 راكباً، مثالاً واضحاً على ذلك، فضلاً عن الهجمات الإرهابية التي وقعت في مطاريّ روما وفيينا.
بالتوازي، سعى حافظ الأسد إلى تعزيز هيمنته على المنطقة المعروفة بسوريا الكبرى، وهو هدف حظي بدعم شعبي واسع. إلا أن تحقيقه تطلّب أيضاً اللجوء إلى أعمال إرهابية استهدفت لبنان والأردن إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. لم تكن الدول الغربية بمنأى عن العمليات الإرهابية التي أسفرت عن انسحاب القوات متعددة الجنسيات من لبنان خلال الثمانينيات، مما مكّن دمشق من فرض سيطرتها الكاملة عليه. ومن العوامل التي ساعدت في تحوّل سوريا إلى مركز دولي للإرهاب، إجلاء منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان عقب الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، الأمر الذي أتاح لدمشق تولّي هذا الدور بشكل مباشر.
مع مرور الوقت، تدهورت سمعة النظام على الساحة الدولية، مما دفع حافظ الأسد إلى تقليص أنشطته الإرهابية وحصرها في منطقة الشرق الأوسط، معتمداً بشكل متزايد على الوكلاء بعد عام 1987. وقد أشار تقرير وزارة الخارجية الأميركية الصادر في ديسمبر/كانون الأول 1986 إلى هذا التوجّه. بالطبع، استمرّ النظام في ملاحقة معارضيه في الخارج، متشبثاً بسياسة القمع العابرة للحدود. ولأن حافظ الأسد كان أكثر انتقائية وحذراً في استخدامه للإرهاب مُقارنة بأصدقائه في ليبيا وإيران، اتّسم نشاطه الإرهابي بفعاليّة عالية. كما أولى اهتماماً كبيراً لصورته العامة، إذ لم يرغب في أن يُنظر إليه كراعٍ للإرهاب. لذلك، لجأ إلى استخدامه بأسلوب دقيق لتجنّب الإدانة التي طالت منظمة التحرير الفلسطينية وليبيا وإيران.
بعد وفاة حافظ الأسد وتولّي ابنه بشّار السلطة، اختار الأخير الحفاظ على المبادئ التي قامت عليها عقيدة والده الأمنية. ظلّت الآلة الاستبدادية والعائلية جزءاً أساسياً من عملية صنع القرار. ونتيجة لذلك، استمرّت الطبيعة المُتصلّبة للنظام السياسي، مما أدّى إلى عواقب اجتماعية واقتصادية عديدة، مثل الضعف الهيكلي، وارتفاع معدلات البطالة، وضعف كفاءة النظام المالي، وانتشار الفساد في الإدارة العامة، بالإضافة إلى استمرار القمع الوحشي.
ولدى تقييم فترة حكم حافظ الأسد، تُظهر بيانات منظمة العفو الدولية أن حوالى 17,000 شخص اختفوا في سجون النظام السوري بين عامي 1980 و2000، بينما تمّت تصفية ما يقرب من 40,000 شخص خلال قمع انتفاضة مدينة حماة. أما حصيلة حكم بشّار الأسد لسوريا، فقد تجاوزت 500,000 قتيل، إلى جانب ملايين النازحين نتيجة قمع الانتفاضة الشعبية التي بدأت عام 2011، وأكثر من 100,000 شخص تعرّضوا للإخفاء القسري وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان. بطبيعة الحال، من يعتمد الإرهاب وسيلة للحكم على مدى نصف قرن، لا يمكنه التركيز على تحقيق انتصارات عسكرية أو إنجازات تنموية تُذكر.
أخيراً، لا بد أن تنعكس دوّامة العنف المستمرّة على من أشعلها، ولكن كما قال أفلاطون: “أعظم الشرور هو أن يفلت الظالم من دفع ثمن خطئه”.