كان يوم السابع والعشرين من آذار 1990 في حفر الباطن هو بداية النهاية للنظام الاقليمي العربي ولدولة العراق، حيث التقى الملك فهد وصدام حسين في ذلك المكان وكان بمثابة إعلان نيّة العراق باحتلال الكويت الذي حدث في 2 آب 1990، وبدأت مسيرة التقهقر العربي الموصوف على مدى ستة وعشرين عاماً حتى وصلنا الى ما نحن عليه الآن.
قد يضحك الكثيرون عندما يقرأون عن حدث عربي جديّ أو عن يوم تاريخي، وذلك أمر طبيعي بعد كل تلك الخيبات والانقسامات والعنف والدمار والتسلط والفشل في معالجة أبسط الموضوعات. ولا أعتقد أنّ الكثيرين قد تابعوا اجتماعات حفر الباطن السعودية والتي حضرها الملك السعودي والرئيس المصري وأمير الكويت والرئيس السوداني والأمير القطري ونائب رئيس الإمارات العربية والرئيس الباكستاني والعديد من قادة الدول العربية والإسلامية وذلك في حفر الباطن في ختام مناورات «رعد الشمال» العسكرية.
إنّ ما شهدته منطقة حفر الباطن في السعودية يوم الخميس العاشر من آذار ٢٠١٦ يعتبر تطوّراً بالغ الدقة والعمق في توقيته ومناسبته ومكانه. وأعتقد أن الكتابة عن هذا اليوم قد تعتبر مغامرة لشدّة رمزيته وغموضه، وربما يكون اللبنانيّون هذه الأيام آخر من يهتم أو يتابع تطورات مثل هذا اليوم الاستثنائي على كل المستويات.
تزامنت اجتماعات حفر الباطن مع انعقاد المجلس الوزاري لوزراء الخارجية العرب لانتخاب أمين عام جديد لجامعة الدول العربية وتحديد موعد للقمة العربية في موريتانيا بعد اعتذار المغرب عن استضافتها، وعشيّة انعقاد القمة الاسلامية في اسطنبول في نيسان القادم، ومع التحضيرات للمؤتمر الدولي للسلام على أساس حلّ الدولتين. كان يوماً طويلاً على وزراء الخارجية، لأنّ المرشّح المصري لقي معارضة من قطر وأصدقائها والتي طلبت تأجيل البتّ فيه، وذلك في الوقت الذي يتواجد فيه الرئيس المصري والأمير القطري معاً في حفر الباطن. وفي المساء تمّ انتخاب أحمد أبو الغيط أميناً عامّاً بتوجيهات من حفر الباطن وبدون نقاش.
إنّها المرّة الأولى التي يجتمع فيها قادة عرب من أجل العمل وليس من أجل الصور، ومن أجل القرارات وليس البيانات. وطبعاً الجميع يعرف الدور الباكستاني بين العرب وإيران، وكذلك دور أمير الكويت في نفس الاتجاه، إضافة الى الرئيس المصري وموقفه من سوريا واستقباله قبل أيّام الرئيس العراقي على رأس وفد عراقي رفيع وهو المعني الأول بمهمّة «رعد الشمال» التي تجري على حدوده وتستهدف الاٍرهاب في سوريا والعراق. أعتقد أنّ كلّ ساحات المواجهة بين العرب وإيران كانت محلّ بحث ونقاش وعروض تسويات واستعراض تحديات، وكان لبنان وسوريا واليمن والعراق وفلسطين من موضوعات البحث في النزاع والاستقرار.
إنّ توازن حفر الباطن الجديد قد يعجّل في حلّ العديد من النزاعات، لأن السلام يكون مع القادرين على الحرب، وهذا ما تجسّد في حفر الباطن، حيث كان البحث عن السلام على أصوات المدافع والطائرات.