IMLebanon

شهادات لاهاي «تذبح» الحوار قبل ولادته!

كثيرة هي «الرموز» التي دللت على أنّ ثمة حواراً قريباً بين ركنيْ الاصطفافات السياسية، أي «حزب الله» و«تيار المستقبل»، لكن النتيجة صفر. أقله حتى الآن. ضوضاء كثيرة، لا تخبئ سوى العدم.

يتلو الرئيس نبيه بري، كلّ يوم تقريباً، «صلاة التبشير» بإشارات إيجابية قد تأتي من مكان ما من شأنها أن تحرك المياه الراكدة. في باله طبعاً الانتخابات الرئاسية المكبّلة بقيود الفيتوات المتبادلة، المشبوكة على منظومة علاقات إقليمية يصيبها الصراع الدموي والاقتتال الحاصل خلف الحدود.

ومع ذلك، يصرّ الرجل على نثر الورود على طريق بعبدا، المقفلة حتى اللحظة بشريط شائك، آملاً أن يسلكها أحد الموارنة صاحب حظ «يفلق الصخر» ليجلس على الكرسي الوثير، ويعيد الروح إلى المشهد اللبناني المعلّق على حبل الانتظار.

يلاقيه وليد جنبلاط إلى منتصف الدرب. أصلاً هو من سبقه إلى هذه الطريق الزهرية. يمشطها ذهاباً وإياباً بين الخنادق المتخاصمة، عله يلتقط بعض النقاط المشتركة التي يمكن البناء عليها ومراكمتها للخروج من حلقة الجمود المقفلة. ولو أنّ البيك يدرك جيداً أنّ الانتهاء من الملف الرئاسي يحتاج إلى تدخل خارجي، فإنّه مقتنع أنّه من الممكن القفز فوق هذا المطب، للجلوس سوياً على طاولة مستديرة من شأنها تهيئة الأجواء أو ترطيب المناخات الداخلية في زمن البراكين المتفجرة في كل مكان من حولنا.

بالفعل، حصل ما كان مرتقباً. سعد الحريري يفتح كوة صغيرة في «جدار الفصل» بينه وبين خصومه، من خلال بيان «التبرؤ من الثورة السنية»، والذي شكّل، بنظر سياسي عتيق، أكثر من مبادرة إيجابية تجاه الآخرين، حيث كان يفترض بالحريريين أن يثمّروا هذه الخطوة، بينما كان المطلوب من الفريق الآخر أن يستثمرها.

يصف كلمات الشيخ المكتوبة باتقان، بأنّها من أهم الوثائق السياسية التي أطلقها «تيار المستقبل» خلال المرحلة المنصرمة، لا بل تشكل منعطفاً في مساره، لا سيما في ما يتصل بالأزمة السورية، حيث بدا الحريري وكأنه يقول «فلنضع خلافنا خارج الحدود، ولنحافظ على ما هو مشترك بيننا».

وحده نهاد المشنوق تلقّف الرسالة، وحاول فتح الطريق أمام مبادرة حوارية قد تخرج من نفق الخلافات المتراكمة، أما بقية رفاقه فبدوا غير معنيين أو غير مقتنعين بسياسة مدّ اليد، وتجاهلوها بالكامل.

من الطرف المقابل، أتى الجواب على لسان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله خلال خطاب الليلة العاشرة من عاشوراء مرحباً بالحوار. ردّ التحية على الرجل، بمثل ما أتت. ولو أنّ البعض اعتبر أن الجواب وصل متأخراً، لحسابات كثيرة تفرض نفسها على دفتر الضاحية الجنوبية، وتحول دون الالتقاء السريع مع الخصوم.

ولكن ماذا بعدها؟

بدا الفريقان وكأنهما يخجلان من الاقتراب خطوة نحو الأمام. يكتفيان بترسيم حدود الالتقاء التي تؤمنها طاولة تمام سلام الحكومية. لا أحد منهما يريد التضحية بالوعاء الجامع، ويصران على التمسك به بوجه العواصف التي تهب من كل مكان. ولكن ما عدا ذلك، لا يبدي الطرفان استعجالاً لرمي خلافاتهما جانباً، والدخول في مسار تحاوري.

ما لم يكن منتظراً، هي الشهادات السياسية من على منبر المحكمة الخاصة بلبنان، والتي حذر من تداعياتها وزير الداخلية، ومن أثقالها الزائدة على حِمل حوار لا يزال في علم الغيب.

ولأن المكتوب يقرأ من عنوانه، بدا جلياً، وفق السياسي العتيق، أنّ المحكمة تنكأ الجرح اللبناني ـ السوري على خلفية اغتيال رفيق الحريري، وكأن المطلوب صبّ الزيت على نار العلاقة المتوترة بين الجارين، وبالتالي جرّ الأطراف اللبنانية إلى حلبة الكباش، مرتدين قفازات النيران السورية التي ستتسلل من جديد إلى الداخل اللبناني.

ولهذا يعتبر السياسي ذاته أنّ فرص الحوار المرتقب، تميل إلى التقلّص مع ارتفاع نبرة الشهادات السياسية، لا سيما إذا استعادت الساحة الداخلية خطابات التوتر وتقاذف الإتهامات.

وبتقديره إنّ ملف الرئاسة الأول سيحبس من جديد في سجن الجمود، بانتظار راع دولي يتبرّع لتحريك مياهه وانتشاله من مستنقع التجاذبات الإقليمية، التي يبدو أنّها تتجه إلى مزيد من التصعيد والاشتباك، سواء كان على مستوى الأميركي ـ الروسي أو الأميركي ـ الإيراني.