Site icon IMLebanon

«الشعرة» الفاصلة بين الأمن والليرة!؟

لم يكن صعباً الرّبط الفوري الذي قام ليل أمس الأول بين العبوة التي استهدفت المقرّ الرئيس لبنك «لبنان والمهجر» والقانون الأميركي الخاص بالعقوبات على «حزب الله» وبيئته. لكنّ ما هو صعب أن تكون العبوة إشارة الى مسلسل تفجيري بدأ بهدف من هذا النوع ليشمل أهدافاً أخرى وهو ما يدعو الى التريّث في انتظار تطوّرات الأيام المقبلة.

في التقارير الأمنية التي تبلّغتها المراجع الأمنية وخصوصاً تلك التي سبقت تفجير مصرف «لبنان والمهجر» كلام كثير يختلط فيه العمل الإستخباري مع السياسي بما تحمله من إشارات الى سلسلة توقعات بُنيَ بعضها على معلومات تحتاج الى مزيد من التدقيق في شكلها ومضمونها وأخرى تستند الى قراءة سياسية لما يمكن أن تقود اليه التطوّرات السياسية المبنية على ما بلغه الصراع العسكري في الإقليم أو خارجه قبل أن تكون محلية.

وفي نوع آخر من التقارير الأمنيّة الواردة من الداخل والخارج ما يوحي بأنّ ما تتوقّعه حتمي، خصوصاً تلك التي استقت معلوماتها من مصادر ثقة قادت اليها تجارب سابقة.

وهي تقع في مصادرها على تماس مع مجموعات إرهابية تدير بقعاً جغرافية من دولة أو مجموعة دول كما هي الحال في ما تخطط له «داعش» ونظراؤها ومثيلاتها في سوريا والعراق، كما في دول أخرى التحقت بها مجموعات دينية وإرهابية بعدما أعلنت ولاءها لها وفق ما يقول به الدين.

وفي كلا الحالين لا تتجاهل المراجع الأمنية اللبنانية أيّاً من مضمون أيّ وثيقة استخبارية أو أمنية مهما كانت تافهة أو سطحية أحياناً. ولا بدّ عند إجراء تقاطع للمعلومات بين مجموعة من الروايات من الوصول الى صيغة متكاملة وإلّا يتمّ إهمالها موقتاً في انتظار ما يؤكد مضمونها في أيّ وقت لا يمكن احتسابه في تلك اللحظة.

ومن هذه الخلفيات بالذات، تتوسّع المراجع الأمنية في تحقيقاتها الخاصة بتفجير المصرف، فلا تتوقف عند بعض القشور التي تطفو على سطح الأحداث بالمنطق السياسي الذي يحكم اللبنانيين ويعكس الفرز السياسي والفكري والثقافي الذي تعاني منه الطبقتان السياسية والإعلامية في لبنان. وهو ما انعكس بوضوح من خلال التعليقات التي سبقت التحقيقات وتوزعت على الشاشات اللبنانية فغنّى كلّ منها على ليلاه.

وبعيداً ممّا هو معلن الى الأمس، فإنّ المراجع الأمنية التي تبحث عن خيوط تقودها الى المخططين والمنفّذين بعد المحرّضين لا تتساهل في تفاصيل كثيرة وصلت اليها وتُفضّل أن تحتفظ بقسم من المعلومات التي جمعت بعيداً من وسائل الإعلام سواء تلك التي جمعت من مسرح العملية وما توافر من كاميرات المراقبة وحصيلة إعادة فكفكة شبكة الإتصالات التي رصدت في المنطقة وسبقت العملية ورافقتها وتلتها.

وهي بالتأكيد لن تكون بمتناول أيّ انسان بقدر الإمكان، إذ لبعض المعلومات قيمة تتجاوز منطق إطلاع الرأي العام على أيّ جديد يُبدّد قلقاً أو يُنبّه الى خطر محدق بالبلد والناس.

وفي المعلومات المتداولة على نطاق امني وقيادي ضيق، هناك بحث جدي يتخطى ما أُعلن عنه الى الأمس القريب ويتركز على وجود خيط رفيع بين احتمالين بارزين:

– الأول يقول إنّ الإنفجار كان ثمرة التحريض الإعلامي والشعبي على المصرف بحجة أنه غالى وما زال في تطبيق القانون الأميركي للتضييق على حسابات قيادة «حزب الله» وقادته وبيئته المؤيّدة ومسارب الأموال التي تصل اليه بوسائل متعددة سواءٌ عبر حسابات شخصية أو شركات وهمية وأخرى تحمل عناوين إنسانية وربما دينية وتتعاطى التجارة بشكل من الأشكال.

– والثاني لا يتجاهل حديثاً متداولاً في الأروقة الأمنية عن مخطط لتفجير البلد باستيراد الفتنة من محيطه الى ما يقود المتصارعين في لبنان الى مواجهة تتّخذ من الفتنة السنّية – الشيعية المتمادية في المنطقة ذريعة لتفجير الساحة من الداخل، على أساس أنّ الإنقسامات القائمة في البلد جاهزة ويمكن استثمارها في غياب رأس الدولة وفي ظلّ الصراع القائم داخل المؤسسات الدستورية سواءٌ على مستوى السلطة التشريعية المشلولة أو التنفيذية العاملة على القطعة. ووفق أيّ ملف بحجم ملف العقوبات الأميركية يُراد له أن يكون خلافياً بمجرّد القدرة على استثماره بالمنطق الطائفي أو المذهبي الذي تعاني منه البلاد.

وما بين الإحتمالين لا تستغرب المراجع الأمنية خلال البحث منذ اللحظة الأولى لوقوع التفجير عن المنفّذ والمخطط، إمكان أن تتوصّل الى جهة ثالثة تُعرف بـ«الطابور الخامس» استغلّت أجواء التوتر في البلاد وموجة الإتهامات التي طاولت البنك المركزي والقطاع المصرفي على خلفية التطبيق الإلزامي للقانون الأميركي. ذلك أنّ هناك من بين القادة الأمنيين مَن هو على ثقة بأنّ عملية من هذا النوع لن يتبنّاها أيّ طرف توجّه بالإتهام المباشر للمصرف وتوجهاته.

وتحسم هذه القيادات في قناعتها السياسية والأمنية عند البحث عن المستفيد ممّا حصل أنه ليس في لبنان، وأنّ «حزب الله» لن يقدم على خطوة من هذا النوع وهو يُبدي في السرّ والعلن حرصاً على السلم الأهلي والوضع الإقتصادي والإجتماعي في البلاد، وهو ما وضع تلك الشعرة الفاصلة بين كون الإنفجار يستهدف القطاع المصرفي وحسب، أم أنه سيشكل الشرارة الأولى المتوافرة لمسلسل من التفجير الأمني المحتمل ترصده المراجع الأمنية بدقة متناهية ولا تدّعي أنها تمسك به في انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات. فاليد على الزناد من جهة، والعين على مجموعات نائمة، وما على الساعين الى الفصل بين الخيارين سوى مزيد من الإنتظار.