في إطلالته الأخيرة، نصح حاكم مصرف لبنان المودعين بعدم سحب اموالهم الدولارية على 3900 ليرة، لأنّهم من خلال السحب على هذا السعر، يُخضعون أموالهم لـ»هيركات» قاسٍ تصل نسبته الى حوالى 85 في المئة. فهل لدى سلامة معطيات تسمح بالتفاؤل بخفض نسبة الـ»هيركات» مستقبلاً؟ وهل كلامه مرتبط باقتراح لجنة المال والموازنة؟ وما خلفيات ومنافع وأضرار الاقتراح؟
على جدول أعمال لجنة المال والموازنة التي ستجتمع غداً الثلثاء، اقتراح برفع سعر دولار منصّة سحب الودائع الدولارية من المصارف من 3900 ليرة الى 10000 ليرة، بهدف خفض الـ»هيركات» الذي يتعرّض له المودعون الذين يسحبون أموالهم، من حوالى 85% الى 50% تقريباً. فهل هذا الاقتراح قابل للتطبيق؟ ولماذا في هذا التوقيت، ومن خارج سياق قانون الكابيتال كونترول؟ وما هي الإيجابيات والسلبيات التي يمكن رصدها في حال تمّ اقرار الاقتراح؟
في البداية، لا بدّ من الاشارة الى انّ اقتراح رفع سعر سحب الودائع الدولارية من المصارف وَردَ في مشروع قانون الكابيتال كونترول، بناءً على اقتراح النائب ياسين جابر. لكن هذا القانون تأخّر صدوره، وهو لا يزال يخضع للدرس والتمحيص. هذا التأخير قد يكون دفع لجنة المال الى تقديم اقتراحها لإقرار تعديل سعر السحب من خارج سياق قانون الكابيتال كونترول المنتظر. والبعض يغمز من قناة المناكفات السياسية، على اعتبار انّ الكابيتال كونترول موجود حالياً في لجنة الادارة والعدل التي يرئسها النائب جورج عدوان، وبالتالي يعتبر هؤلاء، انّ خطوة لجنة المال التي يرئسها ابراهيم كنعان، يمكن إدراجها في اطار تسجيل النقاط السياسية.
في كل الاحوال، ستتمّ مناقشة اقتراح زيادة سعر السحب الى 10 آلاف ليرة غداً، في حضور ممثل عن مصرف لبنان، فهل فرص الإقرار قائمة؟ وما هي النتائج المتوقعة؟
لا يبدو انّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لديه اعتراض على هذا الاقتراح، وهذا ما همس به الى من يهمّهم الأمر، عندما جرى تضمين الكابيتال كونترول هذا البند. إذ قال سلامة يومها: «اقتراح مش عاطل، وقابل للدرس». فهل يعني ذلك انّ الطريق ستكون مُمهّدة أمام إقرار المشروع؟
في هذا السياق، تنبغي الاشارة الى انّ الإشكالية الاساسية في تطبيق مثل هذا الاقتراح تكمن في ضمان عدم تأثيره على التعميم 158، والذي يسمح للمودعين بسحب اموالهم بالدولار الطازج، وبالليرة على سعر منصّة الـ12 الف ليرة. ومن خلال هذا الاقتراح سيكون على المودع، لاسيما من يتمكّن من سحب مبالغ كبيرة نسبياً بالليرة، أن يُعيد حساباته لجهة الإنخراط بالتعميم 158 اذا كان سيفقد حقه في السحب على سعر 10 آلاف ليرة للدولار. كذلك الموظف الذي يتقاضى راتبه بالدولار المصرفي (لولار)، سيضطر الى اعادة حساباته ايضاً في موضوع الاستفادة من التعميم 158، لئلا يفقد حقه في سحب راتبه على السعر الجديد.
بالإضافة الى ذلك، سيزيد الضغط على القطاع المصرفي الذي تعرّض لـ«هيركات» على سندات اليوروبوند التي يحملها بنسبة 85 الى 90 في المئة حتى الآن، وتوظيفاته محتجزة في مصرف لبنان، ومن غير الواضح نسبة الـ«هيركات» التي ستخضع لها هذه التوظيفات في المستقبل، في حال وصلنا الى مرحلة تنفيذ خطة إنقاذ بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.
هذه المحاذير والملاحظات تقابلها ايجابيات تسمح بالقول انّ الاقتراح يجب ان يمشي، لاعتبارات عدة منها:
اولاً- نسبة الـ«هيركات» الحالية على صغار المودعين ظالمة وغير مقبولة. وعندما انطلقت تسعيرة الـ3900 كانت نسبة الاقتطاع لا تتجاوز الـ25% وبالتالي، لا مبرّر لتصل هذه النسبة اليوم الى حوالى 85%، وتستمر.
ad
ثانياً- انّ الاقتراح كما جرى تقديمه لا يزيد الكتلة النقدية بالليرة، على اعتبار انّ سقف السحوبات بالليرة سيبقى على حاله. وبالتالي، لا خوف من ارتفاع نسبة التضخّم، وزيادة الضغط على سعر صرف الليرة بما يؤدّي الى تسريع انهيارها.
ثالثاً- انّ صغار المودعين في كل الأزمات الشبيهة تتمّ حمايتهم من اي نوع من انواع الـ«هيركات»، وبالتالي، من العدل والإنصاف، خفض نسبة الظلم في حق هؤلاء من خلال خفض نسبة الاقتطاع من أموالهم، اذا كان هناك استحالة في حمايتهم 100%.
يبقى انّ الاقتراح الذي سيُناقش غداً ينبغي ان يكون مُحرَّراً من المزايدات السياسية، لأنّ الهدف مساعدة صغار المودعين، وليس التمريك على هذا الطرف السياسي أو ذاك. والمشروع ينبغي أن يأخذ طريقه الى التنفيذ، سواء من خلال لجنة المال والموازنة، او عبر قانون الكابيتال كونترول، اذا ما تبيّن انّه سيصدر في غضون أيام، وليس في أسابيع أو أشهر.