IMLebanon

البديل من “الهيركات” خطة للسيطرة 8 سنوات!

 

يوحي المعنيون بأنّ اعتراضاتِ القوى النافذة أدَّت إلى تراجع خيار «الهيركات» على الودائع المصرفية، ظرفياً على الأقلّ. ولكن، ما يتردَّد في بعض أوساط المعارضة حول هذا الموضوع كبير وخطِر: عنوان «الهيركات» هو منصَّةٌ سيستغلُّها بعض القوى للسير في خطة متكاملة لها انعكاساتها المالية والاقتصادية والسياسية.

يقول قطب معارض: نعتقد أن هناك خلفيات كامنة وراء طرح «الهيركات» بهذه الفجاجة والقسوة وبشكل مبكر. فكأن المطلوب هو استفزاز الناس ليغضبوا ويعلنوا الرفض، ولو انتحارياً. ففي هذه الحال، ينبري بعض السياسيين وينصِّبوا أنفسهم وكلاء للدفاع عن الناس. وأما الحقيقة فهي أنّهم يعملون لتحقيق أهداف أخرى:

1 – يريد هؤلاء السياسيون أن يستعيدوا ما خسروه من رصيد لدى الناس خلال انتفاضة 17 تشرين الأول، وأن «يصلِّحوا طابقهم». فما من زعامة سياسية إلا واهتزّت قواعدها وصورتها لدى القواعد الشعبية.

2 – عندما ترفض القوى السياسية تطبيق «الهيركات» على الودائع، ولو كانت بعشرات ملايين الدولارات أو مئات الملايين، فإنما تحافظ على أموالها التي ما زالت مودعة في المصارف، بأسماء السياسيين أنفسهم أو أسماء أنسبائهم ووكلائهم، وتساوي مليارات الدولارات.

 

فهناك ودائع كبيرة لهؤلاء بقيت عالقة في المصارف اللبنانية، على رغم المليارات التي تمّ تهريبها إلى الخارج في السنوات أو الأشهر الأخيرة، أو تلك التي وُضعت في قصور الزعماء والكوادر.

3 – وفق المصدر نفسه، هناك أيضاً كتلة هائلة من الودائع تخصُّ فئة معينة، تفوق الـ30 مليار دولار، معظم أموالها وافدة من مغتربين، توازيها مليارات لفئات أخرى. وكذلك، هناك مودعون من جنسيات عربية، خليجية وغير خليجية، يرتبط بهم متموّلون وسياسيون من هذه الفئة أو تلك.

وفي المصارف أيضاً ودائع الأوقاف المسيحية والإسلامية التي يتردّد أنّها بالمليارات. وهذه الشبكة من المصالح الطائفية والمذهبية والحزبية والسياسية تجعل تطبيق «الهيركات» مسألة حسّاسة.

4 – الأهم، هو الكلام المثار حول الأهداف السياسية التي يُراد الوصول إليها، عند اعتماد الخيارات البديلة من «الهيركات». ففي رأي القطب المعارض، أنّ القوى السياسية التي أبرمت صفقة 2016 تريد استغلال الأزمة المالية والاقتصادية وضعف حكومة الرئيس حسّان دياب، للإمساك مباشرة بمفاتيح السلطة لسنوات عديدة آتية.

 

وهذا الأمر يشجّعه «حزب الله»، لأنّه الأقوى في هذه التركيبة، ولأنّ ذلك يتيح له الحفاظ على عناصر قوته في وجه الخصوم الإقليميين والدوليين، ولاسيما الولايات المتحدة، في ذروة صراعها المفتوح مع إيران. كما أنّه يفتح الباب لشبكة مصالح في البلد، مع قوى دولية أخرى، كروسيا والصين، الطامحة إلى موطئ قدم في الشرق الأوسط وإفريقيا.

 

في تقدير المعارضين، أنّ «مجموعة 2016» تمنع الذهاب إلى بيع أصول الدولة ومرافقها «الدسمة»، بديلاً من «الهيركات»، على رغم ان الدولة هي الطرف الذي «أفلس» وأدّى إلى إفلاس القطاع المصرفي ووقوع المودعين في مأزق.

وفي ظلّ حكومة ضعيفة أمام القوى السياسية التي جاءت بها، ستتمكن هذه القوى من وضع يدها على الدولة بطريقة شرعية، ولسنوات مقبلة، أي حتى يستعيد لبنان قدرته على النهوض مجدداً. وخلال هذه السنوات، لن تكون للناس سوى قدرة هزيلة على الاستمرار، فيما النافذون كرَّسوا نفوذهم على الأقل لعهد رئاسي جديد.

 

لذلك، إنّ رفض الناس العاديين لـ»الهيركات» لا يشبه إطلاقاً، من حيث المنطلق، رفض السياسيين لها. فهؤلاء ليس هاجسُهم أن يدافعوا عن ودائع الناس، بل لهم أهداف أخرى. ولو كانوا فعلاً حريصين عليها لما نهبوا أموال الدولة، التي هي أموال الناس، ولما تسبَّبوا بنكبتهم.

 

في عبارة أخرى، يريدونها فرصة ليسيطروا على مقدرات الدولة بشكل شرعي، بعدما سيطروا عليها حتى اليوم بشكل غير شرعي، أي عن طريق الهدر والنهب والمناقصات والتلزيمات المشبوهة. ولذلك، هم يحاولون الإمساك جيداً بالتعيينات المالية والقضائية والإدارية.

 

هل ستخضع حكومة الرئيس دياب لمشيئة هؤلاء النافذين، وتتيح لهم تحقيق الأهداف بالسيطرة على مقدّرات البلد، خصوصاً أنّها جاءت أساساً بدعمهم وضمن عملية تقاسم شرسة بينهم؟

 

في المبدأ، لا أحد يصدّق أنّها قادرة على التمرُّد. لكنها، في الموازاة، مضطرة إلى مراعاة الجهات الدولية المانحة، ولاسيما صندوق النقد الدولي، باعتماد الإصلاح والشفافية.قد تتمزَّق الحكومة بين راغب في الإصلاح وخائف منه، فيما تتكامل عناصر الانهيار الشامل. وحكومة دياب مضطرة إلى التوجُّه حتماً نحو خيار صندوق النقد، وفي موعد قريب. والاستنجاد بسفراء مجموعة الدعم، الأسبوع الفائت، كان المقدمة.

 

سيكون لبنان بين خيارين: تكريس سيطرة أركان صفقة 2016 ، أو الذهاب إلى الإصلاح وفق المعايير المطلوبة دولياً. وفي الحالين، سيتغيّر «الستاتيكو» السياسي أيضاً، ومعه النظام اللبناني، ببعديه الاقتصادي والسياسي.

 

قد تتمكن الحكومة من مواكبة التحوُّلات، ولكنها قد تَسقط. وحتى المناخ الذي سيتحكّم بالانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة سيتبدّل، ومعه صورة لبنان الداخلية والخارجية. وبات واضحاً، أنّ القوى النافذة تخاف من «هيركات» تبدأ بالودائع وتنتهي بـ»هيركات» سياسية.