Site icon IMLebanon

محاكمة الحاج.. إلى أين؟

 

بمعزل عن العاصفة السياسية التي تسبّب بها الحكم بتبرئة المقدّم سوزان الحاج في ملف الثلاثي، الحاج – غبش – عيتاني وما رافقه من تداعيات، فانّ الصراع انتقل الى المسرح القضائي. ومردّ ذلك الى مشروع إعادة محاكمة الحاج بسعي من النيابة العامة التمييزية. فهل من إمكانية لمثل هذه الخطوة، وما هي مواد قانون القضاء العسكري التي تسمح بذلك وتلك التي تمنعه؟

 

امّا وقد أحال مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، الى مفوض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية القاضي غسان الخوري ملف المقدّم سوزان الحاج بناءً على طلبه، تمهيداً لطلب النقض وفقاً للصلاحية الممنوحة له في القانون بالتنسيق مع النيابة العامة التمييزية، فانّ الصراع الذي اتخذ أبعاداً اكثر من سياسية وتحول الى نوع من المواجهة الطائفية والمذهبية في بعض من جوانبه، فهو يتجه للإنتقال الى المسرح القضائي وسط حديث عن مواجهة قضائية مسرحها ما يقول به قانون القضاء العسكري.

 

اياً كانت الإجراءات التي لجأ اليها القاضي خوري، وبانتظار ان تقول محكمة التمييز العسكرية كلمتها في طلبه، فانّ المراجع القضائية المحايدة تنظر الى القضية من منظارين، أحدهما يرجّح عدم القدرة على إعادة فتح الملف وفتح المحاكمة، وآخر يقول العكس. وهو ما سيفتح باب الإجتهادات القضائية بالإستناد الى مواد من قانون القضاء العسكري، من بينها ما يمكن الإستناد اليه لإعادة فتح الملف ومنها ما يقفله تماماً.

 

فالداعون الى إعادة المحاكمة يعتبرون انّ بامكانهم اللجوء الى تطبيق المادة 11 من قانون القضاء العسكري التي عُدّلت «بموجب قانون منفّذ بمرسوم 1971/1460» والتي تنصً على الآتي حرفياً: «يقوم بوظيفة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية المدّعي العام التمييزي او من ينتدبه من معاونيه لهذه الغاية، وله جميع الصلاحيات المعطاة لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. ويقوم بوظيفة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية أحد القضاة من الدرجة الحادية عشرة وما فوق، يعاونه قاض او عدة قضاة او ضابط او عدة ضباط من المجازين في الحقوق، على ان لا تقلّ رتبته عن رتبة نقيب فما فوق، ينتدب العسكريين منهم وزير الدفاع الوطني لهذه الغاية وفاقاً لأحكام المادة 14. ويكون مركز مفوضية الحكومة لدى المحاكم العسكرية في مراكز هذه المحاكم؟ ويخضع مفوضو الحكومة لدى المحاكم العسكرية ومعاونوهم لسلطة النائب العام لدى محكمة التمييز ومراقبته». ولذلك يمكن ترجمتها بالقول: «انّ لمدعي عام التمييز كامل صلاحيات مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية وهو ما يسمح بمثل هذه الخطوة».

 

ولكن، دون تطبيق هذه المادة عقبات قانونية وقضائية بالغة الدقة والصعوبة، «ففي مجال وضوح النص يسقط اي تفسير». ويقول اصحاب هذه النظرية: «إن صح ذلك القول كما جاء في المادة «يقوم بوظيفة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية المدّعي العام التمييزي او من ينتدبه من معاونيه لهذه الغاية وله جميع الصلاحيات المعطاة لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية….»، فلأن النص القانوني في هذه المادة جاء عامّاً، ولكن «عند الدخول في اطار قضائي أضيق – كالحالة المطروحة اليوم في ملف الحاج وغبش-» نرى انّ صلاحيات النائب العام التمييزي بدأت تتقلّص. فقانون القضاء العسكري حصر بمفوض الحكومة وحده نقض الأحكام وطلب البراءة وهو ما فعله القاضي جرمانوس.

 

ففي مواد أخرى من القانون حصر دور النائب العام التمييزي ومنع عنه صلاحية طلب النقض امام محكمة التمييز إلّا لـ «منفعة القانون» وأبقى صلاحيات اوسع لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في هذا المجال الضيّق. ففي المادة 74 ومعها المادة 75 من قانون القضاء العسكري جاء انّ لـ «مفوض الحكومة ان يطلب نقض الأحكام القاضية بالبراءة، إما لإنتفاء الأدلة او لانتفاء الصفة الجرمية عن الفاعل او في مجال حصول خطأ في تطبيق القانون». ففي مثل هذه الحال فقط يُعاد النظر بالحكم وتُعاد المحاكمة مجدداً، وهو ما قام به مفوض الحكومة السابق القاضي صقر صقر في أثناء إعادة محاكمة الوزير السابق ميشال سماحة لنقض الحكم من اجل التشدّد في الأحكام الصادرة بحقه.

 

ويضيف المرجع: «المحكمة العسكرية هي بمرتبة محكمة الجنايات وهي تضمّ 3 من ضباط الجيش وقاضياً كمستشار مدني وإثنين من ضباط قوى الأمن الداخلي. وعند صدور الحكم عنها يصبح ملكاً للمستهدف به ولها، ويمكنها ان تطلب رأي مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية سواء بالإدانة او التجريم او البراءة. وبالتالي، فانّه من حق المفوض لدى المحكمة وحده ان ينقض الحكم الصادر عن الهيئة الدائمة للمحكمة بحق الحاج او عدمه. اما وقد جاءت مطالعة مفوض الحكومة ببراءتها من التهمة الموجهة اليها والإكتفاء بإدانتها بجنحة كتم معلومات عن المراجع العليا، كما جاء في قرار الهيئة الدائمة للمحكمة التي ادانتها بموجب المادة 399 فقط، والتي عُدّت «جنحة» وبرّأها من باقي التهم الموجّهة اليها فانتفى اي فارق بينهما.

 

على هذه الخلفيات، ودون غيرها يُنتظر ان يحتدم الصراع قضائياً. فلكل من اصحاب الرأيين ما يدعم توجّهه. فمقابل سعي البعض لإعادة المحاكمة بعد نقض الحكم، في قناعة الفريق الذي يدافع عن الحكم الذي صدر بحق الحاج يقول بأنّها تملك حكماً ليس من السهل الطعن به او نقضه، فهو بات ملكاً لها. فالنقض إن حصل لمنفعة القانون واهدافه المحددة بتبيان اي خلل يجب تصويبه يبقى امراً معنوياً ولا يمس الحقوق المكتسبة في حكم البراءة للحاج ولا يعيد الملف الى المراحل السابقة.

 

وختاماً، يعترف المرجع القضائي بانّه من المنطقي ان يحتدم الجدل بين النظريتين. فالقراءة السياسية لكل ما جرى موجودة ولا يمكن التنكر لها قبل صدور الحكم وفيه وبعده. فهناك من يسعى الى استغلال المواقع السياسية والحكومية والإدارية والقضائية للوصول الى اهداف جعلت من القضاء والقانون مسرحاً لها كما في السياسة. والحديث عن هذا الباب له سيناريوهاته التي لا تنتهي، وليس هناك الآن اي مجال للدخول فيها.