لم يخطر في بال أحد أن تحتفل معراب يوماً ما بنصرٍ «برتقالي» أو أن تساهمَ في تحقيقه، حتى جاء يوم 31 تشرين الأول 2016 ليثبتَ للجميع أنّ «القوات اللبنانية» التي تخلّت في السابق عن حقائبَ وزارية ومناصبَ مهمة مستعدةٌ اليوم للتحالف مع الخصوم إذا صبّ ذلك في المصلحة الوطنية، والنتيجة: رئيسٌ للجمهورية بعد فراغٍ قاتلٍ دام نحو سنتين ونصف السنة.
تابعت أمس كوادر «القوات» ورئيس الحزب الدكتور سمير جعجع وعدد من الصحافيين وقائع جلسة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية من معراب التي تحوّلت «قصراً ثانياً لبعبدا» بحسب قول بعض الحاضرين، انتظر خلالها الموجودون النتائج بتوتر واحتفلوا بها وكأنهم مناصرو «التيار الوطني الحر» منذ سنين، لأنه ببساطة «الحكيم هو صاحب الفضل الأول بوصول عون ع بعبدا».
لا شك في أنّ القواتيين تعالوا على جراح الماضي خصوصاً أهالي الشهداء، إيماناً منهم بخيارات جعجع، أما الحكيم فكعادته، كان هادئاً جداً خلال متابعة الجلسة، يعطي أحاديث للصحافيين من هنا، يتابع الجلسة من هناك، ويخرج لاستنشاق الهواء بين الحين والآخر بعدما طالت مدة الجلسة، يعود الى كرسيه، يراقب الأحداث، ويبتسم، هو العالِم بأنّ له فضلاً كبيراً في تحقيق الحلم الرئاسي لعون، ويعلّق ممازحاً «بالنهاية ما في قرار بيرضي الناس كلها».
بين شاشتين عملاقتين تبثّان وقائع الجلسة المنتظرة، جدارٌ كُتب عليه بالخط العريض: الجمهورية القوية. بدأت الجلسة، ساد الصمت في الصالة، وما إن بدأت نتائج أوّل دورة بالظهور حتى بدأ الحاضرون بالقيام بالحسابات، وبعدما وصلت الأوراق البيضاء الى 22، علت الوشوشات ليقول أحدهم «راحت دورة ثانية، خسرنا».
تفاعل الحاضرون مع الجلسة بقوة، وكان يعلو الضحك بين الحين والآخر على تعليقات بعض النواب، خصوصاً حيال اعتراضات النائب سامي الجميل على الفرز، أما وقد أُعيدت الدورة الثانية لمرات ثلاث لم يتردّد الموجودون في إبداء امتعاضهم من طريقة تعاطي بعض النواب مع استحقاقٍ وطنيٍّ بهذه الأهمية، وبعدما بدأ الفرز في المرة الرابعة ووصل عدد المصوِّتين لعون الـ65 علا التصفيق في الصالة، وما إن أُعلن فوز عون رسمياً حتى أُزيلت الصورة التي كُتب عليها «الجمهورية القوية» لتظهر مكانها صورة أخرى لقصر بعبدا كُتب عليها «إتحادنا كلنا غيّر الصورة».
وتاكيداً على التحالف، توافد عدد من مناصري «التيار الوطني الحر» إلى معراب، لمشاركة «القوات اللبنانية» وجعجع فرحة وصول عون إلى رئاسة الجمهورية وعربون شكرٍ على الدور الرئيس لجعجع في تعبيد طريق بعبدا أمام الجنرال.
جعجع المنتصر بقدر عون، بدا مرتاحاً طيلة النهار، تبادل المزاح مع الصحافيين والسلامات مع الجميع، معتبراً أنّ ما حصل يشكّل فرصة لبناء دولة فعلية في لبنان بعدما كانت صوَرية في السنوات الأخيرة.
وعن الضمانات التي أعطاه إياها عون لناحية حصة «القوات» في الحكومة اكتفى بالتعليق لـ«الجمهورية» قائلاً: «للبحث صلة»، وعمّا إذا أصبحت «القوات» لا تمانع الدخول الى جانب «حزب الله» في حكومة واحدة، كرّر تعليقه: «كمان للبحث صلة»، مضيفاً: «لا تنسوا أننا بين عامَي 2005 و2010 كنا مع «حزب الله» في الحكومات نفسها، لكنني أتمنّى أن تكونوا قد سمعتم جيداً خطاب القسم».
وأشار الى أنه «كانت هناك نقطة التقاء بين الحزبين على انتخاب عون رئيساً لكنّ بعضاً منا انتخبه لأنه أراد فعلاً إيصاله للرئاسة، والبعض الآخر فعلها فقط التزاماً بكلامه، وهنا يبرز الفرق بين أيّ خلفية والى أيّ أهداف».
وكان جعجع قد أدلى بكلمة أمام الصحافيين بعيد النتائج هنّأ فيها عون، معتبراً أنّ «تعاوننا سيكون ضامناً كبيراً للعهد الجديد». ورأى أنّ «المقاطعة والتعطيل كان مقدَّراً لهما الاستمرار أكثر من سنتين ونصف السنة، ما كان سيضع البلد في المجهول تماماً».
وتوجّه جعجع الى أهالي الشهداء «الذين تخطّوا كلّ جراحهم، ما أثبت بما لا يقبل الجدل أنّ كلّ حساباتنا متعلّقة بالمصلحة الوطنية العليا ولا شيء سواها»، لافتاً الى أنّ «شهداءنا مسرورون حيث هم لأنهم استُشهدوا أصلاً من أجل القضية، وأفضل ما كان يجب أن يحصل من أجلها هو ما حصل اليوم».
واعتبر «أننا على عتبة عهد جديد ولدينا آمال كبيرة به، واليوم خطاب القسم كان واعداً لجهة التركيز على بناء الدولة والجيش والاقتصاد، كما أنه بما يتعلّق بالسياسة الخارجية وبعد سنتين ونصف السنة من الفلتان الكامل، أوضح الرئيس الجديد التزام لبنان بميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة، بحيث وضع لبنان في المكان الذي يجب أن يكون فيه في السياسة الخارجية».