يروي طلاب في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري، حين كان طالباً فيها، كان يتمتع بذاكرة متَّقدة بحيث كان يحفظ بنود القوانين عن ظهر قلب، وكان مضرب مثل في أنّ قانون الموجِبات والعقود، على سبيل المثال لا الحصر، يحفظه غيباً. حافظ الرئيس بري على هذه الذاكرة حتى في عمله السياسي، مذ كان وزيراً للعدل، ثم منذ أن أصبح نائباً ورئيساً لمجلس النواب منذ العام 1992.
ذاكرته هذه تتيح له بسهولة العودة بها إلى ظروف طرح إنشاء مطار حالات، وإذا خانته الذاكرة بعض الشيء، عن ظروف تلك المرحلة، فبإمكانه أن يسأل «صديقه الدائم» وليد جنبلاط الذي يزوره دورياً، لأنه حين طُرِح مطار حالات، كان جنبلاط وزيراً للأشغال الذي تعود إليه صلاحيات البت بالمطارات. كان مطار حالات جزءاً من مشروع «بنية الصمود» للمناطق الشرقية، مثله مثل مرفأ جونيه الذي كان المتنفس الوحيد لأبناء المنطقة الشرقية الذين كان يستحيل عليهم الوصول إلى مطار بيروت، ومثله مثل كل المشاريع التي كانت موجودة في المنطقة الشرقية، كمشاريع النقل العام والطبابة وعمليات القلب المفتوح والمشاريع الزراعية والحيوانية، والمشاريع الإسكانية، لم يكن مشروع مطار حالات سوى واحدٍ منها، وكان من بين المشاريع الأخيرة، ولو كان مؤشراً إلى التقسيم أو الفدرالية، لكانت كل المشاريع التي سبقته، مؤشراً إلى التقسيم والفدرالية.
كانت المناطق الشرقية، بفضل هذه المشاريع، مثالاً يحتذى به، حتى أنّ زعيماً من زعماء «المقاطعات اللبنانية»، آنذاك، لم يُخفِ إعجابه، وحنقه في الوقت عينه، من المنطقة الشرقية، حتى أنه أسرَّ إلى أحد مسؤولي تلك المنطقة بقوله «نيالكن شو عبالكن»، أنتم تعيشون في موناكو، وليس مثلنا». كانت الشرقية ملاذاً، وكان الأمن والاستقرار فيها مضرب مثل، كانت المعابر الإثنين والثلاثين، المؤدية إليها، مضبوطة بالكامل، ما خلق أجواء ثقة وارتياح.
انتهت الحرب، اتخذت «القوات اللبنانية» قراراً بتسليم كل شيء للدولة، على عكس الرئيس بري الذي بدأ منذ العام 1990، بوضعِ يده على الدولة. بذاكرته القوية منذ أيام الدراسة في كلية الحقوق، يحفظ الرئيس بري أسماء «شرطة مجلس النواب» وموظفي «الريجي»، وموظفي «مجلس الجنوب»، وموظفي بنك «إنترا»، وسائر موظفي «المقاطعة اللبنانية» التي يسيطر عليها، الفارق بينه وبين رئيس حزب «القوات اللبنانية» أنّ الأخير سلَّم للدولة، فيما هو «تسلَّم» الدولة.
ولا نبالغ إذا قلنا أنه لو يتجرأ الرئيس بري ويطلب من إحدى شركات الاستطلاع أن تستطلع آراء وأمنيات وتمنيات أبناء المناطق الشرقية، لكانوا في معظمهم يتمنون العودة إلى أيام «حالات حتماً». ولأن ذاكرة الرئيس بري «متَّقدة» دائماً، هلا يعود إلى محاضر مؤتمري جنيف ولوزان، وكان حاضراً في المؤتمرين، ولم تكن «القوات» على طاولة المؤتمرَيْن، وكان قائدها آنذاك المهندس فادي افرام، طرح الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميِّل «الفدرالية» كحلٍّ للأزمة اللبنانية، والراحلان كانا يُصنَّفان في وجدان المسيحيين أنهما كانا «البطريركيْن السياسييْن للمسيحيين».
بناءً على كل ما تقدَّم، فإنّ استحضار الرئيس بري لشعار «حالات حتماً» أخطأ الهدف، لأنه إذا كان القصد «المذمَّة والتهمة» فإنّ «حالات حتماً» ليست تهمة وليست مذمَّة «حتماً».