لم يسجل أي خرق جدي متعلق بتشكيل الحكومة الجديدة. كل المحركات انطفأت بانتظار نهاية زيارة المبعوث الأميركي دايفيد هيل وصدور قرار المحكمة الدولية الاربعاء المقبل، وتبلور المدخل الذي يجب أن ينطلق منه رئيس الجمهورية ميشال عون الى الاستشارات. أي هيكلية التأليف التي تفرض التوافق على التكليف. هل نحن باتجاه حكومة وحدة وطنية او حكومة توافق معناها ان المشاورات ستنطلق مع الجميع، أم حكومة حيادية فمعناها خيار صعب قد يجري معه فرض أسماء معينة؟
الاطراف المعنية مباشرة بتشكيل الحكومة جمدت اتصالاتها وانصرف بعضهم الى إستقبال الموفد الأميركي ليبني على الشيء مقتضاه. وكان لافتاً أن أي موقف محدد تجاه الحكومة لم يعلن على لسان هيل. فبقيت التكهنات تدور حول ما اذا كانت زيارته مكملة لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون او معترضة عليها. وهل أن المسؤولين بنوا على ما سمعوه من ماكرون أكثر مما يحتمل وذهبوا بعيداً بالرهان عليه؟ حالة التخبط وعدم وضوح الرؤية للموضوع الحكومي تشي بشيء من ذلك. بدليل تراجع الحماس الذي شهدناه عقب إستقالة الحكومة مباشرة وحتى قبلها. يجمع المشاركون في الاتصالات الدولية المتعلقة بتشكيل الحكومة على أن المجتمع الدولي يتحدث عن معايير لتشكيل الحكومة عنوانها الأساس الإلتزام بإصلاح جدي سياسي وإقتصادي وإداري ومالي.
يهتم المجتمع الدولي بأداء اي حكومة مقبلة أكثر من شكلها وإسم رئيسها. يركز هؤلاء على النهج ولم يعد اهتمامهم منصباً على إسم هذا أو ذاك وفق ما يؤكد مطلعون على اجواء اللقاءات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين، ممن يقولون ان المجتمع الدولي ينصح حالياً بأن باب المساعدات الإنسانية فتح للبنان فلتتم الإستفادة منه والانطلاق نحو خطوات إصلاحية جدية. عموميات بالمطلق وما دون ذلك ليس من شيء عملي بعد. يؤكد المطلعون ان زيارة مساعد وزير الخارجية الاميركية دايفيد هيل لم تحمل معها أي معطى محدد عن الحكومة وان الموفد الأميركي حضر في زيارة إستطلاعية عنوانها ساعدوا أنفسكم لنساعدكم، وهو غير مخول لبحث موضوع ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان ولم يقدم أي معطى إضافي. وخلال زياراته الى المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم لم يتطرق الى اي مبادرة او صيغة معينة بل كان حديثه في العموميات.
وهو تقصد بناء على تعليمة من بلاده بأن يستثني من زياراته رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل كرسالة ضغط اميركية على حلفاء “حزب الله”، لا سيما ان حلفاء الاميركيين في لبنان كانوا إشتكوا من اللقاءات المتكررة له ولغيره من المسؤولين الأميركيين مع باسيل. صار لبنان مسرحاً يتسابق عليه الموفدون لتسجيل موقف من دون ان تكون هناك مبادرة محددة المعالم. حتى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حاول عبر السفير الفرنسي تصحيح مسار ما قاله، وأرسل عبر البريد الإلكتروني رسالة الى رئيس “الحزب الإشتراكي” وليد جنبلاط يوضح فيه انه لم يطرح حكومة وحدة وطنية وأن بلاده لا تمانع انتخابات بعد سنة. خطوة في المجهول لا تمت الى واقع التطورات بصلة فضلاً عن عدم وجود إمكانية لأي طرف سياسي على خوض مثل هذه المغامرة راهناً. في وقت عبرت بعض شخصيات المجتمع المدني عن استيائها من طروحات ماكرون ولقائه رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” محمد رعد، وأرسلت رسائل إحتجاج بهذا المعنى الى شخصيات في البرلمان الفرنسي!
كل الفرقاء السياسيين كانوا في انتظار ما سيحمله الموفد الاميركي وعما اذا كانت زيارته منسقة مع الفرنسيين. الجميع باتوا في حيرة من أمرهم نتيجة التراجع الفرنسي عن طرح حكومة الوحدة ليتبين لاحقاً أنه حتى الإتفاق على إسم الرئيس سعد الحريري لم يكن نهائياً من ناحية المجتمع الدولي، الذي آثر عدم طرح أي إسم بالمباشر. واقع لم يكن مريحاً للحريري الذي باتت تحيط عملية ترشيحه لرئاسة الحكومة عقبات من بينها عدم حماسة رئيس الجمهورية ميشال عون لتكرار تجربة التعاون مع حكومة برئاسته، وعدم إدلاء المملكة السعودية بدلوها بعد ولو كثر المبادرون الى إقناعها ومن بينهم مصر، وعدم حسم “القوات اللبنانية” قرارها بترشيحه.
بالأمس لم يستنتج مستقبلو هيل اذا ما كانت بلاده داعمة للمبادرة الفرنسية او تعمل بعيداً عنها. ولم يعد واضحاً من الأساس ما هي هذه المبادرة وعلى ماذا تقوم. حالة ضياع وقد مضى اسبوع على حكومة تصريف الأعمال والإستشارت النيابية لم يحدد موعدها بعد، والأرجح انه لن يحدد عما قريب ما يعزز فرضية إستمرار حكومة تصريف الأعمال الى ما بعد الانتخابات الأميركية؟