Site icon IMLebanon

نصف قرن من الصراع على هوية لبنان السياسية

قصة الارهاب الجاثم على الحكم

وعوامل انهيار الامارات والدويلات

القصة طويلة ووقائعها غريبة، وأروع ما فيها ان وقائع انهيار امارة النصرة وتداعي دويلة داعش أغرب من الخيال. لا أحد يصدّق ان امارة النصرة تنتصر وتغيب خلال سبعة أيام، مع انها أمضت سبع سنوات أحيانا، في جبال عرسال ومجاهل المغاور والمخابئ، في أعالي الصخور.

كان أبو مالك التله، هناك أحيانا وكان سواه يقيم ممالك لا يصل اليها، لا أبو مالك التله، ولا المملوك على عروش البقاء، لا أحد يعرف قصة النصرة ولا حكاية داعش. لكن الجميع يعرفون ان المجهول أدرى بما هو معلوم، ولو على حساب النجوم.

من كان يصدّق ان امارة النصرة ودويلة داعش يمكن ان تنهار، الواحدة تلو الأخرى، في أقل من أسبوع، وهي التي كان اسم كل منها، يبعث الرعب والخوف في القلوب، ويمعن في إشباع النفوس بالخوف والقلق.

الناس تهفو قلوبها الى الخلاص، وتعشق نفوسها الحياة، لكن لا أحد كان يتصور لحظة، ان في هذه الحياة بشرا خرجوا من الحياة الى الموت، وان ثمة مواطنين، في القرن الواحد والعشرين، يحملون الفؤوس والمدي، ويذبحون في مدية واحدة، شبابا في عمر الورود لا لشيء إلاّ لأنهم بشر، وهم أعداء البشر.

لا أحد كان يدري ان الحياة، يخبو أوارها على مذبح القتل، في بلاد رعى أبناءها الايمان بالله. ولا أحد كان يصدّق، ان غارب الموت، يمكن ان يصبح غريبا عن واقع حياة، لم تعرف يوما مجاهل الذبح على الهوية، في عصر غمرته الحياة السمحة.

قبل نحو ٣٠ يوما، أو ٣٠ سنة، امتدّت يد الغدر الى شبان اصطادهم الجهل، وقبعوا في بلاد نائية يفتشون عن غرائز لا تخلو من العلم أحيانا ومن العلماء حينا، وتجتاح في الأجواء، وهي طائرة في الأجواء، آخر ما أعطته الحضارة العلمية من مكاسب، ثم تنقض من فوق على ناطحات سحاب في نيويورك، وقبلها في واشنطن.

سبعة أيام استطاع القائمون على الأرض، من مواجهة النصرة وتفكيك مواقعها وتطهير الأرض من عناصرها، ثم التفّوا الى دويلة داعش لتفكيك، عناصرها وتحرير العسكريين من مخالب التنظيمين العنصريين.

كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يشدد على ان مظلة الدولة تحجب الأخطار عن اللبنانيين، وتوفّر المناعة السيادية لكل مواطن، لأن سريان الضعف أمام الهريان مشكلة لا حلّ لها في زمان ضمور السلطة.

ولهذا، لم يخف العماد عون من تسرّب الضعف الى المواطنين، لأنه يؤمن بأن الوطن والمواطن هما توأمان لا ينفصلان، وأن ما يضعف في ناحية، يجد حاجته الى القوة والدعم في الناحية الثانية، وهذا هو سرّ قوة لبنان، وسرّ انتصار التنوّع في تكوينه السياسي.

كانت دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى إقرار سلسلة الرتب والرواتب انسانية أكثر منها حقوقية، لأن للروح الانسانية استرجاعا لطبيعة الانصاف، كما ان إقرار السلسلة، استرجاع لحق تعرّض، أكثر من سبع سنوات للتهشيم.

عندما كان سعد الحريري في الولايات المتحدة الأسبوع الفائت، حرص على أن يكرّس التنوّع السياسي، ضمانا لحقوق الناس في معظم المجالات، ولذلك فانه حرص في أثناء حواره مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على التأكيد بأن حزب الله، وجها داخليا كعضو في الحكومة، ووجها خارجيا كجزء من منظومة اقليمية، لكن العودة الى خلاف عمره قرابة السبع سنوات، مناخا آخر، لا يبرّر العودة سبع سنوات الى الوراء، ومن هنا كانت قوته في واشنطن مساوية لقوته في بيروت، وغير منافية لقوة ترامب الأميركي خارج أميركا.

ولعل قول الحريري في الكونغرس الأميركي اننا نسعى الى حماية اللبنانيين والمصارف اللبنانية من المخاطر المحدقة بهم، هي الوعاء الكامل لكل الكوارث الاقتصادية والانسانية والسياسية، على طريق الانتصار على النصرة والداعشية في الزمان والمكان.

وهذا ما عاد وأكده الرئيس الحريري خلال محادثاته مع وزير الخزانة الأميركي ستيفن مانوستين ورئيس مجلس النواب الأميركي بول راين وعضو الكونغرس الأميركي داريل عيسى.

وهذا ما جعله يؤكد ان مهمته كرئيس لحكومة لبنان ان نحمي لبنان، لأن حزب الله موجود أصلا على لائحة الارهاب، في الولايات المتحدة، ونحن علينا ان نحمي المصارف اللبنانية وألاّ يكون هناك أي قرار شامل يصيب الناس التي لها حسابات داخل المصارف، لأن ذلك سيؤثر على الاقتصاد اللبناني. وعن الموقف الأميركي من حزب الله قال الرئيس الحريري ان الرئيس ترامب أكد تفهّمه للموقف اللبناني.

قصة النظام

في العام ١٩٦٤، وقف رئيس الجمهورية في نهاية ولايته، وقبل اذاعة بيان العزوف قال لعدد محدود من أصدقائه، انه لا يستطيع مواصلة الحكم، في ظلّ الجمود المهيمن على البلاد.

وعندما سأله الحاضرون، عما اذا كان يعتقد ان اختياره لشارل حلو، سيعطي فرصة لاحياء الحكم، ردّ بأنه عاجز عن المتابعة.

صمت الرئيس شهاب هنيهة وأضاف: أنا لم أقل ان الرئيس شارل حلو هو الحلّ، لكن الحكم بحاجة الى معجزة وهذه هي قصة نظام يحتاج الى بديل لا الى تكرار الخيبة.

سألوه: هل يعتقد ان النظام الأوتوقراطي هو المخرج. فردّ بأن البلاد واقعة في مأزق، لا يخرجها منه، لا النظام الديمقراطي ولا النظام الأوتوقراطي.

وقيل له: هل يكمن الحل ب مخرج لا يبرره الدستور، أم في نظام لم يولد بعد.

وأردف رئيس الجمهورية: منذ تسلمي الرئاسة، وأنا أردد بان الكتاب هو الدستور الا ان احدا لم يقل لي، لماذا عجز الدستور عن تلبية طموحاتي. وأنا لا أقبل بتمزيق الدستور، وليس من شيمي تعليق أساليب الحكم. إذهبوا وحاولوا التوفيق بين الدستور وبين النصوص. ثم وقف الرئيس شهاب، وغادر الى غرفته في منزله الكائن في مدينة جونيه.

كان النائب مخايل الدبس آخر المغادرين، وعقب على ما قاله فؤاد شهاب، قبل ان يغادر جونيه الى مدينة زحله، ليقول ان الجمهورية دخلت الآن طور المعاناة، ولا حلّ لها إلاّ في نظام يجمع بين الحرص على النظام الديمقراطي، وعدم الرضوخ للنظام الأوتوقراطي.

بعد بضعة أيام، زار الوزير فؤاد بطرس رئيس الجمهورية الذي طلب اليه إعداد كتاب العزوف عن التجديد، وان يطلب من أحد المقرّبين منه ترجمته من الفرنسية الى العربية، لكنه راح يطرح عليه الأسماء المتداولة لخلافته، وأبرزها شارل حلو، عبدالعزيز شهاب، فؤاد عمّون.

الا ان فؤاد شهاب بادره السؤال الذي لا يخلو من المداعبة، من أين هو فؤاد عمون.

ورد فؤاد بطرس بأنه من مدينة دير القمر، فردّ رئيس البلاد يومئذ انه من جوار المختارة بلدة الأستاذ كمال جنبلاط ولذلك، فإنني لا أستطيع تزكيته، على الرغم مما يتمتع به من خبرة ديبلوماسية… اذا فكّروا في اسم آخر، لأنني لا أزال أفكّر في شارل حلو، لأنه لا أولاد عنده مثلي، ولا يفكّر في توريث أحد!

كان فؤاد بطرس، يدرك ان الرئيس كامل الأسعد، صاحب عقدة الاستئناس لمعارضة ترشيح شارل حلو، فقال انه لا يحبّذ اسم فؤاد عمّون، وردّ الوزير الشهابي: انكم لا تحبذون اسم فؤاد عمّون ولا اسم عبدالقادر شهاب، فهل يريد كامل الأسعد تفريغ الجمهورية من الرجال الأكفياء.

إلاّ أن كامل الأسعد، خرج عن صمته وتردده وقال: أقبل بأي اسم آخر.

وهكذا ركب اسم شارل حلو على رأس الولاية الرئاسية، بعد فؤاد شهاب، على الرغم من ان الشيخ بيار الجميّل، عرض امكان ترشحه، فرد فؤاد شهاب بأنه اذا ما أيّده، مَن يبقى في البلاد زعيما قويا يؤيده المسيحيون مقابل الزعيم الدرزي كمال جنبلاط، والاثنان كانا من أعمدة حكم العصر الشهابي الجديد.

في العام ١٩٧٠ اتصل العقيد أحمد الحاج بالرئيس شهاب وطلب منه موعدا عاجلا لزيارته.

بعد ٤٨ ساعة استقبله فؤاد شهاب، وسأله عن الموعد العاجل الذي طلب مقابلته من أجله، فرد بأن النائب سليمان فرنجيه طلب منه ان يحبس نبضه لامكان تأييده، وان تكتل الوسط الذي يضمه وكامل الأسعد وصائب سلام سيؤيده بلا تحفظ.

ورد فؤاد شهاب: قلت لكم مرارا انني لا أريد الرئاسة، وان مرشحي هو الأستاذ الياس سركيس، ولذلك أطلب منكم ان تخبروا ابن قبلان فرنجيه بالأمر.

وعقب سليمان بيك فرنجيه: اذا يريدها معركة، فلتكن.

صحيح ان سليمان فرنجيه فاز بالرئاسة بأكثرية صوت واحد، لكنه بعد ست سنوات، أيّد مع تكتل الوسط ابن بلدة الشبانية للرئاسة الأولى.

في أواخر عهد الياس سركيس، وقعت معركة عسكرية بين قوات الردع العربية ذات الأكثرية السورية والجيش اللبناني، فاستدعى رئيس الجمهورية الرئيس السابق وكلّفه بمهمة لدى الرئيس السوري حافظ الأسد، لرأب الصدع بين الجيشين، وتوطدت العلاقة بين السلف والخلف.

في العام ١٩٨٢ اختار الرئيس الياس سركيس لخلافته المرشح الكتائبي الشيخ بشير الجميّل، بعد عداوة بينه وبين الرئيس سركيس وفؤاد بطرس. وفي ١٤ ايلول اغتيل الشيخ بشير في مكتبه الكائن في الأشرفية، وخلفه بسرعة شقيقه الشيخ أمين الجميّل. وفي يوم رحيل الرئيس المنتخب وقف النائب ادمون رزق ورشح الشيخ أمين لخلافته.

وقيل يومئذ ان الولايات المتحدة التي أيّدت بحرارة الشيخ بشير، سارعت الى دعم خيار أمين بالحرارة نفسها، على أساس ان يخلفه رئيس حزب الكتائب في الولايات المتحدة ألفريد ماضي في السفارة اللبنانية في واشنطن.

وقيل ان ادمون رزق فعل ذلك، لأن كامل الأسعد أوصل كتائبيين اثنين الى الرئاسة الأولى وهذا لم يحافظ عليه أمين الجميّل الذي سار في ترشيح السيد حسين الحسيني في الرئاسة الثانية.

بعد سنوات قليلة، تألفت جبهة الخلاص الوطني وضمّت: سليمان فرنجيه، نبيه بري، ووليد جنبلاط، والثلاثي المعروف: ايلي حبيقه، سمير جعجع وكريم بقرادوني ورعى الشيخ أمين الجميّل اتفاق ١٧ أيار بين اسرائيل ولبنان، وذهب زعماء لبنان الى مؤتمري جنيف ولوزان، واستطاع سليمان فرنجيه ان يدعم أمين الجميّل لكونه رئيسا للجمهورية، وسط معلومات غامضة عما حدث قبل جنيف ولوزان.

بعد انتخاب الشيخ بشير الجميّل رئيسا للجمهورية، التقاه رئيس وزراء اسرائيل مناحيم بيغن في نهاريا جنوب لبنان وبادره بالسؤال الآتي: متى ستعقد اتفاق سلام مع اسرائيل يا بنيّ.

ورد: أنا رئيس جمهورية لبنان، ولست إبنك وهذا الجواب أغضب بيغن، وأرسل وزير دفاعه أرييل شارون بعد أسبوع الى بكفيا لتقويم الوضع، بعد ايصال الشيخ بشير الى رئاسة الجمهورية اللبنانية.

كان يمكن ان يسجّل ذلك الحوار الناشف بين رئيس حكومة اسرائيل القوي، والرئيس المنتخب لجمهورية لبنان، والقوي أيضا، تهمة أساسية لذهاب بيغن الى حدّ اغتيال بشير، لولا اغتيال بشير الجميّل في مقر قيادته في الأشرفية، على يد عناصر حزبية داخلية جرى توجيه التهمة اليها. إلاّ أن رحيل بشير كان نهاية لمرحلة أساسية في التكوّن السياسي للجمهورية الجديدة. وهذا ما جعل الرئيس أمين الجميّل، لدى ترشحه لخلافة شقيقه، يسعى بسرعة الى ردم الهوّة بين الرئيس سليمان فرنجيه وبينه، وجعل معظم خصوم بشير يلتفّون حوله وفي مقدمتهم الرئيس صائب سلام.

إلاّ أن الرئيس أمين الجميّل وقع في خلافات مع الادارة الأميركية، عندما هدّد بقصف دمشق من واشنطن، وعاد وعقد ١٢ قمة لبنانية سورية مع الرئيس حافظ الأسد.

ويقال ان الرئيس حافظ الأسد وجد في الرئيس أمين الجميّل خير رئيس يمدّ الجسور معه، من دون ان يعطيه أي فرصة، لاقامة علاقة لبنانية سورية سليمة.

وهذا ما جعل الأيام الأخيرة من ولايته تذهب هدرا عندما قبلت سوريا بالشيخ مخايل

ضاهر مرشحا للرئاسة تحت شعار مخايل ضاهر أو الفوضى.