Site icon IMLebanon

نصف تحدٍّ!

 

لا تخرج عن عاديات الأداء الإيراني الراهن، زيارة وزير الدفاع أمير حاتمي إلى دمشق لعقد «لقاءات مع مسؤولين عسكريين كبار» فيها.. بل هي في واقع الحال غريبة من زواية واحدة: أن تُرسل طهران من خلالها رسالة «رسمية» ممهورة بفعل التحدّي فيما هي واقعيّاً وعمليّاً أقل تحدّياً مما توحي.. وإلا لكان قاسم سليماني عنوانها، وليس حاتمي!

 

صحيح أن قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» مشغول في العراق بمتابعة تفاصيل معارك تشكيل الحكومة هناك!، لكن غيابه عن الصورة في سوريا تحديداً أبعد مدى من حضوره بين العراقيين.. كأنّ طهران تريد أن تقول إنها تذهب إلى مقارعة القرار الأميركي بإجلائها عن «القطر الشقيق» مضطرة وليست مختارة! وإن ضرورات تدريع موقفها هذا تستدعي تظهير الموقف الممانع وليس المقاتل! وإنها بإرسال «وزير» الدفاع تتوسّل شيئاً «رسميّاً» مقابلاً في حين أن المعروض أميركياً هو إجلاء الميليشيات و«المستشارين» التابعين لـِ«الثورة» الإيرانية، وليس لـِ«الدولة» الإيرانية!

 

والأكثر دلالة إلى تهافت الموقف الإيراني الراهن هو أن الجنرال سليماني الذي واكبت صوره معظم محطات المواجهات السورية في المرحلة السابقة (أيام السيّئ الذكر باراك أوباما) يغيب في الوقت الذي «تنزل» واشنطن على الأرض من خلال زيارة ممثل الخارجية الأميركية ويليام روباك إلى شمال شرق سوريا وتأكيده في أكثر من محطة «تفقَّدها» هناك أنّ بلاده «باقية» لضمان القضاء نهائياً على «داعش».. ثم «الأهم» من ذلك «لنركّز على انسحاب القوات الإيرانية ووكلائها أيضاً»!

 

أي في حين تُشهر واشنطن مواقفها من دون قفّازات أو تمويهات، تعمد إيران إلى إشهار «نصف تحدٍّ» إذا صحّ التعبير. وتقول مواربة إنّها لا تريد التصعيد! ولا تبحث عنه! وهي في واقع الأمر تحاول احتواء الموجة المضادة لها وشراء الوقت مُراهِنة على احتمالَين أساسيّين. الأوّل هو تدهور وضع دونالد ترامب داخل واشنطن واضطراره إلى الانشغال بمصيره بدلاً من الانشغال بمصير الإيرانيين والكوريين الشماليين وغيرهم! والثاني هو تصاعد حدّة الكباش الأميركي – الروسي في شأن القضايا التي استدعت العقوبات مثل أوكرانيا والقرم.. وبسبب التحقيقات الخاصة بالتدخل التخريبي في الحملة الرئاسية الأميركية.

 

طهران تفترض، أنّه كلما تأزّمت الأمور بين موسكو وواشنطن، ارتاحت هي! وبدلاً من أن يكون الموقف من إجلائها أو إخراجها من المشهد السوري، نقطة تقاطع بين العاصمتين الكُبريَين، يصير العكس! بحيث تجد موسكو نفسها في موقع المضطر إلى رصّ الصفوف إلى جانب الإيرانيين في وجه الأميركيين..

 

وكل شيء وارد في عالم العجائب الراهن إلاّ اليقينيات! والرهان الإيراني ليس أفلاطونياً تماماً.. وخطير (موسوعي ورسولي!) من يمكنه الحسم في مآلات الأمور إزاء أي قضية موضوعة على أجندة البشر حالياً! حيث الارتجال صنو الفوضى! وحيث كل يوم بيومه! وحيث رقّاص الساعة هو القياس المعتمد في دول صغيرة وكبيرة على حدٍّ سواء! وإزاء قضايا محلية أو إقليمية أو دولية سواء بسواء! وحيث الاستراتيجيات الكبرى مرتبطة بأشخاص أكثر من كونها تعبيراً عن منظومات متكاملة لا تتأثر كثيراً أو قليلاً بتغيير الأشكال والأسماء والهيئات المعبّرة عن الحكم والناطقة باسمه!

 

.. سوى أن العطب الخطير في التقلقل والفوضى الراهنَين، هو الواقع الذي لا يحتاج إلى إضافات لتأكيده، والقائل بأن التدهور الإيراني، داخلياً وخارجياً معطى ثابت.. ولا يتحرك إلاّ صعوداً وباتجاه لا منفذ له! وهذا شأن لا يتأثر بوضع ترامب العابر في كل حال، ولا بكيفية تطوّر العلاقات والأزمات الأميركية – الروسية، بقدر ما يعكس حصيلة أربعة عقود من الأداء غير العلمي وغير الواقعي وغير العملي الذي أوصل إيران إلى ما وصلت إليه، وسبّب ما سبّب من كوارث ورزايا لضحاياها الكثر في الخارج.. من اليمنيّين إلى العراقيين إلى السوريين واللبنانيين!

 

علي نون