في حال صدقت النوايا والتوقّعات، فإنّ قانون الإنتخاب على أساس النسبية وفق 13 دائرة (قانون حكومة الرئيس نجيب ميقاتي) أو 15 دائرة (قانون بكركي) سيُبصر النور قريباً، مع إدخال بعض التعديلات عليه، على غرار نقل مقاعد من قضاء الى آخر أو إعادة النظر في توزيع الأقضية على الدوائر.
مهما كانت النتيجة النهائية التي سيخرج بها القانون المنتظر وإشتراط حزب «القوات اللبنانية» أن يكون الصوت التفضيلي على أساس طائفي أو محصوراً في القضاء، فإنّ القانون النسبي وفق 13 أو 15 دائرة، وإن كان لا يؤمّن المناصفة الحقيقية والفعلية، لكنّه يُعطي لأصوات المسيحيين، ومعظمهم في مناطق الأطراف، قوة تأثير جديدة، لم يمنحهم إياها قانون «الستين»، خصوصاً أنّ لكل صوت في النسبية قيمته وتحتاجه أيّ لائحة.
وفي إحصاءٍ للناخبين المسيحيين في المناطق المختلطة (جبل لبنان الجنوبي وبيروت الثانية والثالثة والأطراف)، وهنا لا نقصد الأقضية ذات الغالبية المسيحية في كل المحافظات، وهي: كسروان، جبيل، المتن، بعبدا، زحلة، جزين، دائرة الأشرفية، البترون، بشري، الكورة، وزغرتا، فإنّ هذا الأمر يُظهر حجمَ الكتلة المسيحية الضخمة في الأطراف، وثقلها الحقيقي ما يدفع الجميع الى أن يقيم لها حساباً.
وإذا تمعنّا في الأرقام، نلاحظ أنّ هذه الأصوات المسجّلة على لوائح الشطب قاطعت العملية الإنتخابية منذ العام 1992، فصحيح أنها مسجّلة على اللوائح، لكنّ قسماً منها مهاجر، والقسم الأكبر لا يقوم بدوره نظراً إلى غياب التأثير وطغيان المحادل.
عكّار
البداية هي من محافظة عكّار التي تصوّر أمام الرأي العام بأنها منطقة ذات غالبية إسلامية ساحقة، لكنّ لوائح الشطب تظهر وجود نحو 75 ألف صوت مسيحي مسجّلين ولهم 3 مقاعد نيابية، أي بمعدّل 25 ألف ناخب مسيحي لكلّ مقعد، بينما يبلغ معدّل الناخبين لكلّ مقعد نيابي في كسروان، التي هي عاصمة الموارنة، نحو 18 ألف ناخب.
هذه الأرقام تظهر أنّ الثقل المسيحي في عكّار يُوازي الأقضية الكبيرة في قلب جبل لبنان، لكنّ المشكلة تكمن في عدد الناخبين المسلمين الذي يوازي الـ200 ألف ناخب. ومعظم مسيحيّي المركز لا يدرون بهذه الكتلة المسيحية في عكار بسبب عدم وجود قوانين منصفة، لذلك قد تمهّد النسبية لإنصافهم، على رغم أنها ليست القانون المثالي.
طرابلس– الضنّية
بالانتقال الى دائرة طرابلس- المنية- الضنية، فهناك نحو 16 ألف ناخب مسيحي في الضنية بلا مقعد نيابي، إضافة الى نحو 24 ألف ناخب في طرابلس لهم مقعدان، وفي ظل الانقسام السنّي بين تيار «المستقبل» والوزير السابق اللواء أشرف ريفي والرئيس نجيب ميقاتي والشخصيات الطرابلسيّة، قد يلعب الناخب المسيحي دور بيضة القبان.
وإذا تطوّرت المعركة في هذه الدائرة، وباتت معركة «كسر عضم»، فإنّ نحو 40 ألف ناخب مسيحي ستكون لهم الكلمة الفاعلة، وسيُرجّحون دفّة لائحة على أخرى.
ومن جهة ثانية، وإذا تمّ إعتماد الصوت التفضيلي على أساس طائفي، وليس على صعيد القضاء، فإنّ افتقاد المقعد الماروني في طرابلس لناخبين موارنة، إذا لم يُنقل الى البترون، سيُعوّضه ضم الضنية الى طرابلس، حيث هناك عدد كبير من الناخبين الموارنة في الضنية.
البقاع الشمالي
لا يُعتبر الوضع أسوأ حالاً في البقاع، حيث يبلغ عدد الناخبين المسيحيين في دائرة بعلبك- الهرمل نحو 45 ألف صوت مسجَّلين على لوائح الشطب، أي ما يوازي عدد الناخبين في قضاء بشرّي الذي له رمزيّته الخاصة عند المسيحيين، وهؤلاء أيضاً كانوا من دون تأثير إنتخابي نظراً الى طغيان الصوت الشيعي. ويأمل العاملون على خطّ القانون الإنتخابي أن تعيد لهم «النسبية» بعض التأثير، خصوصاً أنّ هناك مقعدَين للمسيحيين في هذه الدائرة.
لكنّ الإشكالية المطروحة في هذا السياق ترتبط بإمكان إعتماد الصوت التفضيلي على أساس القضاء، إذ هل ستُعتبر عندها محافظة بعلبك- الهرمل قضاءً واحداً مثلما فصّلها قانون «الستين»، أو ستُعتبر بعلبك قضاءً والهرمل قضاءً وفق التقسيم الإداري.
وبالتالي فإنّ قدرة المسيحيين على التأثير ستزداد في حال فصلهما لأنّ الثقل المسيحي موجود في دير الأحمر والقاع ورأس بعلبك وقرى بعلبكية أخرى، فيما تحرير الصوت التفضيلي وزيادة أكثر من 60 ألف ناخب شيعي من الهرمل لن يسمح للمسيحيين هناك باسترجاع جزء من قوتهم الناخبة.
البقاع الغربي وراشيا
تُطرح أيضاً إشكالية تمثيل المسيحيين في دائرة البقاع الغربي وراشيا، حيث هناك مقعدان مسيحيان من أصل 6، في وقت يطالب البعض بنقل المقعد الماروني الى زحلة أو جبيل نظراً لقلة الناخبين الموارنة.
تضمّ هذه الدائرة نحو 33 ألف ناخب مسيحي مسجَّلين على لوائح الشطب، ويأمل البعض أن يصبح لصوتهم أهمية، خصوصاً إذا اعتُمد الصوت التفضيلي في القضاء وتمّ فصل البقاع الغربي عن راشيا، وذلك نظراً للخليط الموجود في هذه الدائرة بين الدروز والمسيحيين والسنّة والشيعة، كما سيكون لهم تأثير أكبر إذا ما ضُمّت هذه الدائرة الى زحلة مثلما ورد في قانون ميقاتي، مع أنّ هذا الأمر يرفضه بعض الأحزاب والشخصيات المسيحية لأنه سيغرق زحلة بأصوات المسلمين، ويلغي خصوصية عروس البقاع.
الشوف وعاليه
أما الكتلة المسيحية الأكبر التي ستسترجع إعتبارها فهي في جبل لبنان الجنوبي، وتحديداً في الشوف وعاليه، حيث يضمّ الشوف نحو 75 ألف ناخب مسيحي، معظمهم لا ينتخب بفعل المقاطعة المسيحية السابقة، أو بسبب معرفة النتيجة سلفاً بعد عام 2005 نتيجة تحالف الحزب التقدمي الإشتراكي وتيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية».
وفي المقابل هناك نحو 55 ألف ناخب مسيحي في عاليه ينطبق عليهم ما ينطبق على مسيحيّي الشوف، وإذا تمّ جمع الشوف وعاليه في دائرة واحدة نزولاً عند رغبة النائب وليد جنبلاط، فإنّ كتلةً تقدّر بنحو 130 ألف ناخب مسيحي ستتحرّك وستكون لها الكلمة الفصل، فيما تقدَّر الكتلتان الدرزية والسنّية في هذه الدائرة بنحو 190 الف ناخب، وبالتالي فإنّ جزءاً من التوازن قد يعود في حال إعتماد النسبية.
بيروت
بالنسبة الى العاصمة بيروت، فإنّ الشكوى المسيحية الدائمة كانت من طغيان الصوت السنّي، وبعد «اتفاق الدوحة»، تمّ فصل الأشرفية والصيفي والرميل عن بقية الأحياء والمناطق وإعطائها 5 نواب مسيحيّين فيما بقيَ 5 نواب آخرين في العاصمة ينتخبهم المسلمون.
تضمّ دائرة بيروت الثانية مقعدين للارمن، ويبلغ عدد الناخبين المسيحين نحو 43 الف ناخب غالبيتهم أرمن، في حين أن الناخبين المسلمين يقدّر بنحو 66 ألف ناخب، واذا ما ضمت الدائرة الثانية التي فيها مقعدان للمسلمين الى بيروت الاولى فإنّ تأثير الصوت المسيحي سيرتفع، في حين سيؤثر الصوت المسلم على المقاعد المسيحية أيضاً.
وستمنح النسبية لنحو 50 الف ناخب مسيحي في دائرة بيروت الثالثة لديهم 3 مقاعد مسيحية القدرة على التأثير وإن كانت محدودة، بسبب الهجرة وطغيان الصوت المسلم.
الجنوب
أما في الجنوب، فقد منحت العودة الى قانون «الستين» الناخبين المسيحيين في جزين قدرتهم على ايصال نوابهم، في حين بقيَ المقعد الكاثوليكي في الزهراني التي يقدّر عدد الناخبين المسيحيين فيها بنحو 26 ألف ناخب والمقعد الأرثوذكسي في دائرة مرجعيون- حاصبيا التي تضمّ نحو 24 ألف ناخب مسيحي، بلا تأثير.
علماً أنّ الإشكالية التي تنطبق على بعلبك- الهرمل وعلى البقاع الغربي وراشيا، تنطبق أيضاً على دائرة مرجعيون- حاصبيا، من حيث إعطاء الصوت التفضيلي على أساس القضاء لمرجعيون وحاصبيا، أو فصلهما بعضهما عن بعض.
ومن جهة ثانية، هناك نحو 36 ألف ناخب مسيحي موزعين على اقضية جنوبية مثل صيدا، صور، النبطية، بنت جبيل، ليس لديهم مقاعد.
في المحصلة، تُظهر الأرقام المذهلة وجودَ أكثر من نصف مليون ناخب مسيحي في المناطق المختلطة والأطراف، ليس لديهم صوت بفعل القوانين الجائرة، وبالتالي فإنّ هذه الأصوات قد تعيد نوعاً من التوازن المفقود في حال إقرار قانون عادل نسبياً لأننا ما زلنا بعيدين عن القانون المثالي.