عندما تكون الحقائق بسيطة تصبح أصعب على التصديق، لا لأنها غير حقيقية، بل لأنها لا تقنع من يعتبر أن الامور لا بد أن تكون معقدّة عندما تتعلق بأحداث مهمة مثل إنطلاق الحوار بين “المستقبل” و”حزب الله” الذي بدأ قبل أيام فاتحا النفق على نقطة ضوء. هذا الحوار يأتي في ظروف معقّدة في لبنان والمنطقة. لذا فالمنطق يقول إن حقيقة معقّدة أملت الحوار حتى بدأ. لكن ببساطة، إن هذا المنطق ليس في محله، كما تقول شخصية في “المستقبل” ذات إطلاع. ففكرة الحوار جاءت نتيجة رغبة الرئيس سعد الحريري في إجراء الانتخابات الرئاسية بإعتبارها أولوية الاولويات في نظره. لكن الطرف الجالس قبالة “المستقبل” الى طاولة الحوار، أي “حزب الله”، لا ينظر الى هذه الانتخابات مثل الحريري كأولوية.لا بل إنه يعتبرها ثانوية ما دام حليفه العماد ميشال عون لا يرغب في إجرائها إذا ما أدت الى وصول سواه الى قصر بعبدا. وهكذا أصبح عون أولوية الاولويات عند الحزب حتى إشعار آخر، ولو كان ذلك يعني أن يبقى لبنان بلا رئيس الى ما شاء الله. إذن، ينطلق الحوار بأولويتيْن متعارضتيْن لا أحد يعلم متى ستتبدلان.
من هنا تأتي فكرة ان الحوار هو لهدف آخر يلتقي طرفاه من أجله وهو ابعاد كأس التطرف المذهبي عن فم لبنان الذي أحرق سوريا وبعضا من العراق ويتطاير شرره في أقطار أخرى. لكن ذلك لا يعفي من السؤال: هل إن لبنان فعلا مهدد بخطر فتنة مذهبية؟ وهل إن “المستقبل” و”حزب الله” قادران على احتوائه؟ بالطبع ان الجواب عن السؤاليْن يقدمه بالطبع طرفا الحوار اللذان يمتلكان وزنا يتجاوز أوزان سائر القوى التي تهيمن على مسرح الاحداث الداخلية. ولذا، ستكون العبرة في مستقبل الاحداث في هذا البلد. فإذا ما استطاع هذا الحوار أن يخفض التوتر المذهبي الذي بدأت بذوره في اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وبلغ ذروة في 12 كانون الثاني 2011 عندما جرى تدبير إستقالة حكومة سعد الحريري بقيادة الحزب ودمشق وطهران ، يكون هذا الحوار قادراً على الفعل، وهذا أمر يرحب به اللبنانيون طالما أن الامر لن يلغي أولويات لبنان الكبرى وفي طليعتها إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وعمل المحكمة الخاصة لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري وبقاء سياسة عدم توريط لبنان في الحرب السورية دفاعا عن نظام بشار الاسد قائمة.ومع ذلك لا بد من الاعتراف بأن “المستقبل” لن يغيّر شيئا في إستراتيجية “حزب الله” التي تناقض كل الاولويات التي وردت للتو، كما أن الحزب لن يغيّر شيئا من إستراتيجية “المستقبل” القائمة على هذه الاولويات. بإختصار انه حوار يفيد بقدر ولا ينفع بأقدار.
لكن من المفيد التنبيه الى أن الضرر الذي لحق بـ”المستقبل” بتصنيفه مذهبيا في حين أن “حزب الله” يفاخر حتى النخاع بمذهبيته. الطرفان ليسا السنّة والشيعة في لبنان. لذا فالمطلوب من “المستقبل” أن يستدرك الامر فيجدد هويته العابرة للطوائف، ولا هم أن يبقى الحزب كما هو.