Site icon IMLebanon

نصف الاستدارة الحريرية: كل الاحتمالات ممكنة

للمُستعجلين الذين يستسهِلون رسم النهايات أن يقرأوا جيّداً الوقائع التي رافقت نصف الاستدارة للنائب سعد الحريري، من دون أن يعني ذلك أنها غير جدّية. بطريقة أو بأخرى، المشاورات التي بدأها رئيس تيار المُستقبل بشأن الملف الرئاسي من بنشعي ستظل جارية. ولأن أرضية التسوية غير مكتملة بعد، فإن الحريري لا يزال يُبدي ارتباكاً إزاء إعلان نيته دعم عون رئاسياً. وهذا الارتباك لا يرتبط حصراً بالمطبات التي يواجهها الرجل في الداخل، بل بدأت منذ عيد الأضحى الأخير حين وُعد بلقاء «ملكي» ولم يفُز به. من حيث المبدأ، يقتنع الحريري بإمكانية أن يكون انتخاب ميشال عون بساطاً سحرياً ينقله من مكان إلى آخر، أما في الحقيقة فكثيرة هي المؤشرات التي يُمكن أن تجعل حراك الرئيس الحريري تجربة مكررة عمّا حصل منذ عامين، حين ظنّ الجميع، كما يحصل اليوم، أن عون بات قاب قوسين أو أدنى من بعبدا.

الحريري في وضع سيئ جداً. لا بل هو أسوأ ممّا يُمكن أن يتمناه له خصومه. ثاني أيام عيد الأضحى، استُدعي «الشيخ سعد» إلى المملكة العربية السعودية، بإعلامه أن موعداً حُدد له يوم الثلاثاء صباحاً للقاء وليّ وليّ العهد محمد بن سلمان.

غير أن هذا اللقاء لم يحصل، ما دفع الرجل إلى الانتظار حتى مساء الأربعاء. وبعد ثلاثة أيام إضافية بلا لقاء، عاد الحريري إلى بيروت حائراً أكثر من ذي قبل. قبل ذلك، كانت الدائرة المقرّبة منه قد بدأت تفعل فعلها، وقد تكون هي موطن الداء أو الدواء. نظرية هذه الدائرة، التي يُعرف عنها بأنها المروّج الأول لخيار انتخاب عون رئيساً، طرحت على الرجل الكثير من الأسئلة التي لا يُضاهيها في صعوبتها إلا الإجابة عنها: إلى أين يذهب تيار «المُستقبل»، وماذا ينتظر؟ هل هناك ضمانة أو إشارة لمساعدتك أو إعادة تعويمك من قبل المملكة؟ لماذا تتخلّى عنك الرياض ولا تجيب عن أسئلتك؟ ولأن ما انتظرته الدائرة تقريباً كان شبه محسوم، بدأ البحث عن معابر نجاة جديدة. بدأت تُفرد على الطاولة اقتراحات توّجتها بنصيحة «العودة إلى الرابية من جديد»، وخصوصاً أنها ستضع الحريري على رأس حكومة انتخابات، ومن ثم حكومة فعلية. هذه الاقتراحات اقترنت بأسئلة جديدة عن قدرة «الزعيم» المُثقل «ببلاءات» سياسية ومالية على تخطّي قرار المملكة. فما الذي سيخسره الحريري إن اتخذ هذا القرار أكثر ممّا جعلته المملكة يخسره طوال المرحلة السابقة، وهي التي تدمّره سياسياً ومعنوياً ومادياً؟

رأت هذه الدائرة في اجتماعاتها المغلقة مع الحريري أن «هذه الخطوة يُمكن أن تكون أقرب إلى الانتحار.

أوكل الحريري إلى فريق عمل إعداد جدول للمشاريع التي يُمكن أن يستفيد منها في حال عودته إلى الحكومة

لكنها ليست انتحاراً حقيقياً مقارنة بما يُمكن أن يحصل إن استمر الوضع على ما هو عليه أشهراً إضافية». وبالتالي بدأت الفكرة «تركب» في رأس الحريري، ليس انطلاقاً من مشروع سياسي، بل من حالة اليأس التي يعيشها، على اعتبار أن «ترشيح عون يمكن أن يكون رصاصة يصيب بها هدفه، بدلاً من أن يصيب بها نفسه كما حصل بعد ترشيح الوزير سليمان فرنجية». لكن كيف؟ هناك من يقول إن المملكة يُمكن أن تجعله يدفع ثمن تجاوزها، غير أن ماكينة الأفكار «الشغالة» في منزل الرئيس في وادي أبو جميل، كان لها رأي آخر. إذ من «الممكن أن يستخدم الحريري هذا الخيار للعودة إلى رئاسة الحكومة، وجذب الأنظار السعودية إليه من جديد». وإذا اتخذ هذا الخيار فإنه «سيعود إليها باعتباره رئيس حكومة ولا بديل له، وبالتالي ستجد فيه ورقة وحيدة للعب على الساحة اللبنانية» هذا أولاً. وثانياً «سيستفيد من مكاسب السلطة التي سيجنيها داخل الحكومة، ما يعينه على تخطّي أزمته، وبالتالي الشعور بالاستقلالية المالية أقله في المرحلة الأولى».

من هنا، عاد الحريري راغباً في العودة إلى رئاسة الحكومة والمشاريع، حتى إن معلومات أكيدة تحدّثت عن أنه «أوكل فريق عمل خاصاً بإعداد جدول للمشاريع التي تكون بالنسبة إليه بمثابة رافعة مالية». أما هو، فبدأ العمل السياسي، من خلال المشاورات التي استهلّها مع الوزير فرنجية منذ يومين، واستكملها مع النائبين وليد جنبلاط وسامي الجميّل أمس. بحسب العارفين، ما يفعله الحريري هو «تبليغ» المعنيين إمكانية السير بميشال عون على جرعات، والتمهيد للأسباب الموجبة التي سيعلنها إذا خرج بقراره على الملأ. يقول هؤلاء إن فرنجية في اللقاء الأخير فكّ شيفرة الجلسة وفهم الرسالة، ما دفعه أمس إلى «نكع» الحريري بقول ما يعني أن «عون سيغدر به في ما بعد»، مؤكّدين أن «حركته جدية، لكنها ليست مضمونة». وما زاد من تشكيكهم، ردّ الرئيس نبيه برّي أمس بتأجيل جلسة انتخاب الرئيس إلى نهاية الشهر المقبل، وهو الذي رفض لقاء الحريري مساء أول من أمس، مبلغاً إياه رسالة مفادها «بس تخلّص جولاتك منحكي»، كدليل على عدم الرضى. ومع أن بعض الحريريين يؤكّدون أن «رئيس تيار المستقبل لا يرى في الرئيس برّي عقبة أمام طموحاته، على اعتبار أن ما يسير به حزب الله يسير به الرئيس برّي»، اعتبرت أوساط سياسية أن «ثمناً إضافياً سيدفعه الحريري إذا أصر برّي على رأيه»، وهو حينها «سيدفع الفاتورة مضاعفة خارجياً وداخلياً». وقد انشغلت هذه الأوساط أخيراً بالرسائل التي وجهها برّي في أكثر من اتجاه، إحداها كانت من نصيب الرئيس الحريري. خلق الأخير «حالة شعبية ناقمة» بعنوان «اعتصام اتحاد النقل البرّي»، وهو ما أراد برّي من خلاله قول الكثير. القول للذين يدفعون الرئيس الحريري إلى خيار عون، وفي مقدّمتهم وزير الداخلية نهاد المشنوق، إنه «يستطيع أن يفتح في وجوههم ملفات كثيرة». والقول لميشال عون «إنني السباق إلى لعبة الشارع». أما إلى الحريري «فإذا كنت ستعود إلى الحكومة من طريق الرابية، فسيكون الشارع في انتظارك»! وبناءً عليه، لن تكون المشهدية وردية، كما يتصورها البعض. كل شيء يُطبخ اليوم بهدوء وإن بدينامية غير مسبوقة يقودها الحريري، غير أن على المتفائلين أن يستعدّوا لكل الاحتمالات.