من المفيد أن نستعير في مقالتنا هذه «التورية والكناية» لإيصال ما نريد إيصاله، وأن نستعير هذيْن البيْتيْن للشاعر الشعبي «والله لئن لم تنتهِ /لدعوتُ الله أن يبتليكَ بأربعٍ/فأسٌ ومَقْطفٌ وقُفةٌ/ ثمّ على ظهركِ بَرْدعُ»، وإنّا والله لندعو ليل نهار أن يُريحنا من هذا الذي لا يتوقّف عن «الكرّ والبرّ» ليل نهار معتقداً أنّه فيلسوف الزمان و»عنترة» العصر والأوان، فيحجب الله عنّا صوته الأنثوي ليقول اللبنانيين: «مُستراحٌ منه…وليس بمستريح»!
يستطيع القارئ أن يُسقط المقال على من يشاء، ثمّة لعبة أنترنتيّة اسمها «مستشفى المجانين» تنطبق على حال لبنان وشعبه الذي ليس له «لا في العير ولا النفير»، وتختصر اللعبة حال المواطن اللبناني فتشرح نفسها باختصار:» أنت مريض في مستشفى المجانين وتسعى للهرب من خلال الأبواب الخفية، ابحث عن المفاتيح وافتح الأبواب للهروب»، مع فارق واحد لا مفاتيح للهرب من لبنان ولا أبواب خفيّة، فأبوابه كلّها مشرّعة على الجنون!!
حالات «العَتَهِ» التي تطلّ علينا يوميّاً «من كل الميلات» من الشاشات والنشرات الإخبارية والتغريدات كرّهت المواطن اللبناني حياته، فلم نكد ننتهي من جنون ما قبل الانتخابات حتى نزلت بنا جنّونة تشكيل الحكومة، يؤكد الروائي اللبناني أمين معلوف، في روايته صخرة طانيوس «أن المجنون واحد من رموز أي قرية أو حي أو ضيعة جبلية نائية، تماماً كرجل الدين، وكأن المدينة أو القرية أو الضيعة أو الحي بحاجة إلى المجنون»، كذلك تشكيل الحكومات، خصوصاً عندما يرتجلون صحة التمثيل النيابي وعدد الوزراء المفترض للكتل، بصراحة «شي بيجنّن»!
«بازار الاستيزار» مهزلة، هناك 4 وزارات سياديّة بينهن واحدة غير فاعلة، وكلّ الفرقاء اللبنانيين والملل والأكثريات والأقليات يريدون وزارة سياديّة، نحن البلد الوحيد في العالم الذي يصف وزارة بلفظ «سياديّة»، ويستخدم فيه الوزراء وزاراتهم للضغط على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وأهون الشّرور للتعاطي مع هذه الحال، هو تناولها بقفازات علم البلاغة والبديع، الذي يُضطرّ الكاتب أحياناً للاستعانة به من حين إلى آخر، وهذا ليس عيباً في حريّة الكتابة بل قائم بحدّ ذاته أفضل من مثّله عبر التاريخ «عبد الله بن المقفّع» في كتابه «كليلة ودمنة» وحكايات الملك «دبشليم»، وبما أنّ «الدّبش»هو لغة البعض السائدة هاليومين، فإنّنا سنتعامل مع «دبشليم» لبنان بأسلوب إبن المقفّع…»لكلِّ داءٍ دواءٌ يُستطبّ به / إلا الحماقة أعيَتْ من يداويها» [أبو الطيب المتنبي]، وداء لبنان هم «الحمقى»، وما أكثرهم!
ثمّة حالة «نُباحيّة» مجنونة أتعبت اللبنانيين، وثمّة «عنترة» يتخيّل أصحابها أنّها «زئير الأسد» في غابة، مع أنّها ينطبق عليها قول الشّاعر:»أما ترى الأُسْدَ تخشى وهي صامتةٌ/ والكلبُ يخزى لعمر الله نبّاح»، والمؤسف أنّ هذه الحال «النُباحيّة» بلغت أدنى الدرجات في التعجرف والانتفاخ، شيء ما يذكّرنا بحكاية الضفدع المنتفخ، وأفضل ما يقال في هذا المقام قول الإمام الشافعيّ رضي الله عنه: «لو كل كلب عوي ألقمته حجراً / لصار الصخرُ مثقال بدينار»، أو كقول آخر: «ولقد أمر علي اللئيم يسبُّني/ فمضيتُ ثمّ قلتُ لا يعنيني»…
وأفضل ما نختم به مقالتنا هذه أبيات الشاعر إيليا أبي ماضي:» عارٌ إذا أنشبتُ فيك مَخالبي/ إذ ليس من خُلقي افتراسُ نِعاجِ/ قد كنتُ أزهدُ في الهِجا لو لم يكنْ/ لك يا مريضَ العُجبِ خيرَ علاجِ»، ومع هذا صدّقوا أنّه لا علاج له!
ميرفت سيوفي