لخص تدمير حافظ الأسد مدينة حماة قبل ثلاثة وثلاثين عاماً وقتل أهلها وتشريدهم، الفلسفة العربية التسلطية (أو السلطانية) في معالجة مشكلات الداخل.
بعد أربعة أعوام من حرب أهلية باردة مع تنظيم «الإخوان المسلمين» تنقلت وقائعها بين المناطق السورية، انفجر الصدام في حماة بين «الطليعة المقاتلة» والجيش السوري والتشكيلات الملحقة به. أرسى الأسد الأب في حماة نظاماً («سيستام») كان قد باشر تطبيقه في لبنان في المعارك ضد خصومه الفلسطينيين واليساريين عند دخوله لبنان في 1976، ثم محاولاته اقتحام منطقة الأشرفية البيروتية (1978) ومدينة زحلة (1981) عندما غيّر حلفاؤه السابقون في «الجبهة اللبنانية» رأيهم. لكن «السيستام» هذا بلغ الذروة في حماة 1982 عندما طبّقه من دون خشية التدخلات الأجنبية ولا رقابة وسائل الإعلام، فوصل به الى تمامه.
النظام البسيط، الإقصائي إلى الحد الأقصى والدموي الى ما فوق مستوى الخيال، نجح على امتداد الأحداث السابقة على مجزرة حماة في تجريد «الإخوان» ومن ثم «الطليعة» من أي تعاطف شعبي وفي عزلهما عمّن تبقى من متضامنين وفي تصوير حركتهما بأنها تمرد إرهابي مدفوع من الخارج على السلطة الحائزة شرعية لا تقل عن إجماع المواطنين. عُزل الإسلاميون، بفعل أخطائهم وسلوكهم كما بفعل نهج الأجهزة الأمنية، عن أي حراك سياسي ذي مغزى. وتعرض من حاول إضفاء البعد الوطني على حركة الاعتراض على نظام الأسد، على غرار «التحالف الديموقراطي» و «المكتب السياسي» بقيادة رياض الترك، الى قمع مدمّر. وتكللت جهود الأسد بالتوفيق في حشر الإسلاميين في سلسلة من التناقضات السياسية جعلت منهم جماعة مارقة لا قاعدة شعبية حقيقية لها. وبعد عزلهم وضربهم باشر النظام الانقضاض على المجتمع والقضاء على كل معالم المعارضة والعمل السياسي فيه. عبادة الفرد المعصوم ترافقت مع التصحّر الثقافي والاجتماعي وتحول الاقتصاد الى ألعوبة بيد أفراد معدودين.
أحيا بشار الأسد وأجهزته «السيستام» ذاته مع بداية الثورة في آذار (مارس) 2011. ولم يجد رادعاً أمام تعميمه ونقل تجربته من إطار حماة الضيق، إلى كل أراضي الجمهورية. تدمير حمص وحلب والمجازر التي باتت عصيّة على الإحصاء، ابتكار الأساليب الجهنمية في إبادة المدنيين، على شكل البراميل المتفجرة ومئات الآلاف من المعتقلين في ظروف غير بشرية والذين يموت كثر منهم تحت التعذيب، ليست إلا النموذج المحدث من نظام حماة، أو فلنقل انه «حماة 2.0» بلغة برامج الكمبيوتر، بعد ترقيته وتحسينه وإدخال المعطيات الجديدة إليه. هكذا جرى القضاء على الحراك السلمي ودفع الثورة الى العسكرة وتغذية كل ما من شأنه وسْمُها بالإرهاب و «الجهاد».
لا سياسة مع هذا النظام ولا حوار يجديان، على ما بينت السنوات الأربع الماضية. ولم يكن مفاجئاً ما اكتشفه الصحافي الأميركي جوناثان تيبرمان من مجلة «فورين أفيرز» في تعليقه المصور (على موقع «يوتيوب») على مقابلته مع بشار الأسد الأسبوع الماضي، من أن الأسد لا يعتزم التنازل عن أي قدر من السلطة لأي كان، وأن ما من حل للحرب هناك، فإما أن يسحق معارضيه أو أن يسحقه هؤلاء.
هذا ما يقود إليه «سيستام» حماة المطوّر.