فيما كانت الانظار اللبنانية متوجهة نحو المآل الذي سيتخذه مسار ازمة النفايات، العالقة عند المعضلة المالية، انفجر في وجه الجميع ملف امتناع وزارة المال عن دفع رواتب العسكريين ما لم تحصل على «تشريع» للصرف من قبل الحكومة، قبل ان تعود المفاوضات وتؤدي الى حلحلة، خلافا لسائر الملفات الحياتية والاجتماعية العالقة والمعلقة على حبال التجاذبات السياسية، وسط تضارب المعلومات حول مهلة تحويل الرواتب، بين الـ48 ساعة والاسبوع، فيما «هددت» قيادة الجيش بانها لن تسكت عن «الاعتداء» على حقوق العسكريين.
واذا كانت ازمة رواتب العسكريين المستجدة على جدول الازمات المتجمعة، من أكثر الملفات المأزومة دقة وحساسية، لملامستها اللعب في المنطقة المحظورة، متقدمة واجهة الاحداث، فان اوساطا سياسية متابعة تعتبر ان «الهفوة» التي حصلت استدعت معالجة سريعة للامر، لابقاء الجيش بعيدا عن السياسة وزواريبها، رغم اشارة المصادر الى ان الهدف الاساسي من وراء خلقها لم يتحقق، فلا الفريق الذي اراد حشر العماد عون «لجره» الى الجلستين الحكومية والتشريعية نجح في ذلك، ولا الهجوم المضاد الذي شنه العماد عون محاولا الالتفاف على قيادة الجيش، «ملبسا» العماد قهوجي الثوب السياسي كمستفيد لتجيير القضية لمصلحة «معركته الرئاسية»، ادى غرضه، وسط مخاوف الحريصين على المؤسسة من تطور الامور الى حدود رهن «الحلحلة» من خلال مجلس الوزراء بالاصرار على تعيين قائد جديد للجيش، الامر الذي استدعى دخول الرئيسين سلام وبري مباشرة على خط المعالجة.
الاوساط المطلعة على مسار المفاوضات، اشارت الى ان الصيغة المؤقتة التي تم اعتمادها مبدئيا تحفظ حقوق العسكريين من جهة، وتؤمن الضمانات التي طالب بها وزير المالية، بشكل مؤقت، باعتبار ان الضرورات تبيح المحظورات، من خلال طلب وزارة المال سلفة من مصرف لبنان لدفع الرواتب التي لا اعتمادات لها، على ان يضم هذا البند الى جدول اعمال جلسة «تشريع الضرورة» لقوننته، العالقة حتى الساعة عند قانوني استعادة الجنسية والانتخابات النيابية الذين لن يمرا في حساب المصالح السياسية لا الاصوات النيابية، وسط اصرار عين التينة على عقد الجلسة التشريعية «مهما كلف الامر» لان كلفة عدم انعقادها باهظة الثمن على لبنان.
وفيما وصفت جهات دبلوماسية غربية في بيروت ،ان لبنان يمر في اسوأ مرحلة من تاريخه السياسي الذي لم يشهد سابقة عدم تقاضي العسكريين رواتبهم بسبب المناكفات السياسية حتى في عز الحرب والانقسامات التي طالت المؤسسة العسكرية والحكومة التي انقسمت الى اثنتين، متحدثة عن دخول خارجي بشكل غير مباشر على الخط، حيث علم ان موفدة دولية قامت بجولة على المسؤولين اللبنانيين، محذرة من تأثير ما يجري على صورة وسمعة لبنان في الخارج، وعلى التزام المجتمع الدولي بالشراكة مع لبنان ، في حال استمرار عدم المحاسبة والمساءلة واتخاذ القرارات الضرورية في اطرها الشرعية والدستورية في مجلسي الوزراء والنواب، متحدثة عن نتيجة الخطورة البالغة في استمرار طي ملفات الفساد والفضائح المتناسلة التي يتبادل السياسيون انفسهم التهم في شأنها بين بعضهم البعض من دون ان يبلغ اي منها النهاية المفترضة قانونيا وتغيب المحاسبة والمحاكمات للمرتكبين، ومن دون ان يدرك احد كيف تم الإغلاق وعلى اي اساس.
من جهتها اعتبرت مصادر عسكرية أنّ تأخّر دفع الرواتب للعسكريين خط احمر، ولن يسمح بان يدخل دوامة التمييع والتجاذبات وتصفية الحسابات، بعدما فشلت المحاولات المتكررة لضرب هيبة المؤسسة العسكرية والمس معنويات العسكريين، عبر الحملات التي استهدفتها، من بوابة الطائفية والمحسوبية، مؤكدة ان مبلغ الـ 118 مليار ليرة المطلوبة لسد رواتب العسكريين في الخدمة الفعلية موجودة في خزينة الدولة، مشيرة الى ان قائد الجيش كان حاسما في كلامه مع المسؤولين الذين التقاهم، كاشفة عن وجود اكثر من وسيلة للضغط يترك للقيادة تحديد انسبها من اجل تحقيق حقوق العسكريين، متخوفة من محاولة البعض اعادة الكرة من خلال بقية مصاريف الجيش من صيانة ومحروقات ومستشفيات وغيرها من مستلزمات لوجستية.
يرى الكثيرون ان تمرير هذا الاستحقاق، ومن بعده حلحلة ازمة النفايات، التي طال انتظارها، سيترك تداعيات مرنة على المساعي التي ستنشط هذا الاسبوع من اجل عقد جلسة تشريعية لمجلس النواب، في انتظار اختبار النيات والأفعال خلال الساعات المقبلة. وعليه يبدو ان «حما» نجحت حيث فشل الحراك المدني مسجلة انتصارها الاول في منازلة تمس المؤسسة التي «ولدت» في كنفها و«خرجت من رحمها».