Site icon IMLebanon

لماذا قرّر وزير الصحة فضح “الحجّ” عصام خليفة الآن؟

6 و6 مكرّر في احتكار الدواء بين جدرا والعاقبية

لو أدرك المجرمون “أن الطمع ضرّ وما نفع” لكانوا ربما ارتدعوا، لكن أن يعرف “حاج” حجّ الى “بيت الله” أن الإنسان الجشع فقير دوماً، ويظلّ يمارس الموبقات، فهو يستحق حتما الرجم بالحجارة. جَشِعان، واحد قيل محسوب على “المستقبل” وواحد قيل محسوب على “حزب الله”، طمعاً بالحصول على كل شيء فخسرا كل شيء. ومعهما ثبُت أن الفاسدين من كل الجهات والملل.

“بترجّاك، بوس إيديك، عمتاكل بنتي (3 أشهر) خبز مغمس بالميّ”. هو كلام أب، بكى مثل الطفل، عند عتبة صيدلية أكد صاحبها خلوها من حليب الأطفال. وكم بكى ناس وهم يبحثون عن أدوية يتحكم بها تجار. وفي حمأة الغضب الشعبي من كل شيء، من كل كل شيء، أطل وزير الصحة (متأخراً) من منطقتين تتحقق فيهما قاعدة: 6 و6 مكرر في جدرا ثم في العاقبية. “فهل فعلها معالي الوزير في العاقببية الشيعية لاستيعاب ردة فعل سنّة جدرا؟”. سؤالٌ تكرر. خصوصاً وأن تهمة إنتماء الفاعل في جدرا حسين مشموشي الى تيار المستقبل ( وقد نفت مصادر في “المستقبل”أن يكون مشموشي من محازبيه) أتت أولا من إعلاميين في “المنار”. هؤلاء غاصوا في انتماء مشموشي وتخطوا انتماء المحتكر في العاقبية ونسوا شراكته مع حسين فنيش، شقيق النائب في كتلة “حزب الله” محمد فنيش، والشقيق الثالث عبد اللطيف فنيش، المعروف باسم مصطفى، الذي سبق وتورط ايضا بملف الأدوية المزورة.

 

الحج خليفة

 

دعونا لا ندخل في دهاليز 6 و6 مكرر. ولنتوقف عند “حصار الأدوية” الذي مورس في بيئة “حزب الله” بالتحديد من حجّ مقرّب من الحزب بالتحديد أيضاً. هو صاحب شركة “نيو فارم” ومالك صيدلية الغازية عصام خليفة. وهو يضع في أصبعه خاتماً فضياً ويؤدي كل الشعائر الدينية، وقد دعا مؤخراً إلى مجلس عاشورائي، ويشارك حضوراً في الإصغاء الى كلام السيد حسن (نصرالله) في المناسبات العامة وربما الخاصة. وهو لم يُبدِ في الفيديو، حين دهم وزير الصحة مستودعه، أي ندم. بل وضع يده في جيبه واستمرّ يكذب والابتسامة تعلو ثغره. هو استمرّ يمارس نفس الخبث. فهل سيُقاصص قضائياً أم سيكتفي معاليه بقصاصه بكلمتين: ولو يا حجّ؟

 

ما يفترض أن يجري في حقّ عصام خليفة يجب أن ينطبق في حقّ حسين مشموشي، صاحب شركة نيو نوفال للأدوية. لكن، إذا عدنا الى الوراء، نحو شهر، نتذكر مجرمة لقاح المياه والملح بدل فايزر في مستشفى البترون سيلين زكريا التي استمرّت حرة طليقة. وهذه أولا مسؤولية وزارة الصحة في لبنان.

 

“أنتم، ممثلو الشعب، مطلوب منكم اليوم إما أن تقروا بأن الدولة هي أقوى من المستوردين أو أن المستوردين أقوى من الدولة”. إميل بيطار- 1971- خمسون عاما مرّت ثبُت فيها أن الدولة “فارطة” والزعران في كلِ مكان، وأصبحوا اليوم أكثر بكثير من أي يوم. فالقاصي والداني في بلد بحجم لبنان الكبير في كتب التاريخ يعرف أن التهريب كان ويستمر على أشده وأن هناك الكثيرين يخفون الأدوية المدعومة، التي أصبحت اليوم مقطوعة، كما فعل تجار الأغذية أيضا ومهرّبو علب “بيكون” وبن نجار والسكر المدعوم… مع فارق أن من لا يشرب القهوة لن يموت أما من لا يحصل على الدواء المناسب في الوقت المناسب قد يموت. الكل يعرف (وبينهم الوزير) ان المستودعات تخفي الأدوية. ثمة مستندات يفترض أن تحدد وتشي أين ذهبت الأدوية التي حصل عليها صاحب مستورد محظوظ. كما يفترض أن تحدد كل الجهات التي تحتفظ بأدوية وبسلع مقطوعة. لكن، في لبنان، لا شيء يحدث بالصدفة. ومن قرر اليوم أن يداهم مستودعاً يتبع صاحبه لـ”حزب الله” لم يذهب عرضاً بل لسبب وجيه. هنا، في هذا الإطار، هناك من علّق بالقول: قد يكون “حزب الله” ارتضى التضحية بالمحتكر عصام خليفة من أجل القول: نعم، لا غطاء على أحد. وفي المقابل تتم التغطية على رؤوس أكبر ومستوردين أكبر وأطنان من الأدوية أكثر.

 

المراقبة ضرورية. التنبه، الى ما بعد، أكثر من ضروري. والقلوب الطيبة أصبحت بمثابة “ضرب جنون” في بلدٍ يكاد كل أهله، على اختلاف إنتماءاتهم، يصابون بالجنون. بدليل أن أحد المواطنين حين سمع باقتحام وزارة الصحة لمستودعين مليئين بالأدوية راح يصرخ كما المجنون: أرجوكم أرجوكم أريد دواء Deanxit. كل اللبنانيين يحتاجون إليه.

 

فوجئ الحسن

 

نقيب صيادلة لبنان غسان الأمين لا يعرف شيئاً. هو مثلنا فوجئ. وزير الصحة تفاجأ هو أيضا قبل أن يغرّد متباهياً: “أن نظام التتبع الإلكتروني في الوزارة يعمل جيداً وبدقة متناهية”. نفرح أم نحزن؟ فإذا كان يعمل بدقة متناهية فلماذا سمحتم بوفاة الطفلة جوري السيد (10 أشهر) في قرية مزبود في جنوب شرق بيروت لعدم توافر دواء يخفض من ارتفاع حرارتها؟ ولماذا سمحتم بوفاة الطفلة زهراء طليس بسبب تعذر تأمين الترياق المضاد لسمّ عقرب لدغها؟ وهل لمعاليه ايضاً ان يخبر اللبنانيين “بدقة متناهية” عن حجم أطنان الأدوية التي قد يكون خليفة ومشموشي وغيرهما باعوها الى الخارج ليقبضوا ثمنها أموالا طازجة؟

 

الأمن الصحي والدوائي في لبنان في خطر. نحن نعيش في دهليز مظلم. ونتعرض الى حصار من قلب أهل البيت. نحن محاصرون دوائياً. وغداً، حين يطل “السيد نصرالله” قد يتطرق الى هذا الموضوع وقد لا يفعل. لكن، إذا فعل، هل له بإخبار اللبنانيين عن كل الثغرات المتتالية التي يخبرنا حزبه أنه لا يعلم بها لا في المرفأ ولا في المطار ولا في العاقبية…؟ هل من يعمل على توفير مستلزمات بيئته عبر بطاقة السجاد على سبيل المثال لا الحصر يغفل عن مسار الأدوية المخزنة في “عرينه”؟

 

كل ذلك يحصل، في وقت لا نعرف ماذا تحضّر لنا الوزارة على صعيد الدواء؟ نسمع منذ أكثر من عام عن أدوية إيرانية تدخل الى أن يطل من ينفي ذلك. لكن ماذا يمنع أن يُخبرنا السيد نصرالله بعد أيام أنه قرر جلب باخرة أدوية إيرانية بعد بواخر المازوت الإيرانية؟

 

نقيب الصيادلة الذي ما زال تحت وقع ما تمخضت عنه “بطولات” وزير الصحة، ونفيه محاولات البعض إقحامه بأنه شريك في الأدوية المحتكرة، سبق وأخبرنا عن “إصرار وزير الصحة على الطلب من اللجنة الفنية في الوزارة تسريع درس بعض الأدوية الإيرانية التي ستدخل (أو دخلت) سوق الدواء”. ومعلوم عن وجود تعاون وتقارب كبيرين بين نقيب الصيادلة ووزير الصحة الذي هو، في الأساس، صيدلي ومعظم مستشاريه صيادلة. في المقابل، نحن في بلد لا يوجد فيه مختبر مركزي قادر أن يحدد نتائج ما يدخل إليه من أدوية ولقاحات بدقة وفعالية. واللافت أيضا أن النقيب والوزير يرددان دائما عن وجوب استيراد الجينيريك علماً، بحسب طبيبة أطفال، أن ثمة أدوية “براند” بسعر أقل بكثير من الجينيريك. ولا يمكن لأي طبيب في لبنان الوثوق بدواء جينيريك من مصادر غير آمنة. خصوصا أن الوزير يتحدث، في السر وفي العلن، عن فتح وزارة الصحة الباب على أدوية ليست فقط إيرانية بل هندية أيضا. وبحسب الصيادلة، هناك أكثر من ثلاثين دواء هندياً بدأ العمل على توزيعها.

 

نحن بلد فقير. والدول الفقيرة يفترض أن تقبل بأي شيء. فهل هذه “آخرة” سويسرا الشرق؟ هل علينا أن نقبل بمحروقات إيرانية حتى ولو أتت بمواصفات أقل من المتوافرة بالسوق وبأدوية هندية وإيرانية وجينيريك حتى ولو بمواصفات أقل أو حتى من دون تحديد مواصفاتها؟

 

نعود الى شركة المحتكر “الحج” عصام خليفة “نيو فارم”. الشركة أصدرت بياناً حكت فيه “عن الظلم الذي تعرضت له”. فماذا عن تلك الشركة؟ هي تملك موقعاً إلكترونياً تعرِّف فيه بالإنكليزية عن نفسها :”نحن شركة مسجلة تحت الرقم 15455، نغطي مساحة كبيرة من لبنان. ورؤيتنا ان نكون الشركة الأكثر نجاحاً وقيمة وإحتراماً في لبنان. ونحن معروفون بالمرونة والمصداقية والخدمات المبتكرة والمواطنة المثالية. وهدفنا كسب ثقة العملاء في التعامل مع الشركة”. نقلب الصفحة الى مكان آخر خاص بالشركة فنقرأ قولاً للإمام علي بن أبي طالب تستعين به شركة “الحج” خليفة: ولد الهدى فالكائنات ضياء، وفمّ الزمان تبسّم وثناء، الروح والملأ الملائك حوله، للدين والدنيا به بشراء”. نترك لكم التعليق بعد التنبه الشديد فشتان بين الإستشهاد بالأقوال وبين الأفعال.