استعاد النائب مروان حماده في شهادته امام المحكمة الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقائع تاريخية لم يمر عليها الزمن ولا تزال حية في اذهان من عايش احداثها خصوصا من سياسيين واعلاميين واطلعوا على تفاصيلها ورووها في يومياتهم او تحفظوا عنها لأسباب مختلفة.
شهادة حماده بدت تاريخا حيا من سياسي عايش التفاصيل وكان حاضرا عند كل المفاصل في واقع لا يزال صارخا بتداعياته بما ان لا المدة الفاصلة عن الاغتيال كانت كافية لمحو آثار التطورات التي آلت اليه ولا التطورات المتلاحقة التي اعقبته ايضا وصولا الى الثورة السورية التي انفجرت في وجه النظام السوري نفسه الذي اساء التعاطي مع اولى بوادر الثورة كما اساء التعاطي مع لبنان. كما بدت تأريخا موثقا بتسلسل منطقي وسلس عرض لكل الاحداث التي ارتبطت مباشرة باغتيال الرئيس الحريري استنادا الى سياق تاريخي وضع الامور في اطارها الحقيقي استنادا الى اعوام طويلة من ممارسات الوصاية السورية على لبنان وآليتها السياسية الفعلية والتنفيذية والتي عانى منها اللبنانيون الأمرّين التي لم يكن الرئيس الحريري وحده ضحيتها بل افرقاء لبنانيون من طوائف اخرى، والتي انتهت الى ما اعتبره ولا يزال مراقبون كثر بداية الاخطاء المميتة التي ارتكبها النظام السوري.
ثمة نقاط اهتمام اثارتها هذه الشهادة وتساؤلات عن التداعيات اللبنانية والتداعيات الخارجية.
أبرز نقاط الاهتمام هي توثيقها الدلائل على طبيعة الاغتيال السياسي الذي طاول الحريري. فرجل بوزن الحريري وقيمته المعنوية بات مهددا لمصير النفوذ السوري والذي كان يمضي في تطويع كل المؤسسات وارادات السياسيين اللبنانيين وينزع اي طابع استقلالي عن لبنان الدولة والوطن. ولعل المنحى القسري الذي اتخذته التطورات السياسية في لبنان بعد اغتيال الحريري شاهد على الصراع الذي اتضحت استهدافاته لاحقا في مظاهر وممارسات كثيرة على رغم الانتفاضة اللبنانية شبه الجامعة التي فجرها اغتيال الحريري ودفعت سوريا الى سحب قواتها عسكريا من لبنان تحت وطأتها.
أهمية هذه الدلائل ستكون في مدى تركيز المحكمة الدولية التحقيق في هذا الاتجاه وتحركها نحو تسليط الضوء على هذا البعد في عملية اغتيال الحريري خصوصا وقد قدم حماده مجموعة كبيرة من المعلومات التي لا يمكن اغفالها او تجاهلها ما قد يؤدي او يوجب استدعاءات ستكون لها دلالاتها في التعبير عن ذلك، اذ سيكون مهما ما ستأخذه المحكمة تبعا لذلك في الاعتبار.
ثانيا العلنية في ما سرد حماده، وقائع عملانية موثقة يعرفها الجميع بما فيها كل الدوائر السياسية الداخلية كما السياسية الغربية المؤثرة. انه تاريخ نظام حكم لبنان وادى الى كارثة فيه، وحكم سوريا وقادها في النهاية الى كارثة. هل يجب ان يعطى فرصة اخرى؟ هذا الامر يجب ان يشكل احراجا للخارج خصوصا اذا كان ثمة اغفال متعمد لوقائع ما يقوم به النظام السوري في الحرب الاهلية الدائرة في بلاده تحت ذرائع مختلفة. فهذه الوقائع تعيد تحديد خط بياني تاريخي لهذا النظام بما يمكن ان يعيد تصويب البوصلة في ما خص طبيعته وادائه الذي لا يشمل ما يتصل ببلده بل ايضا ما يتصل بلبنان وما استخدمه من اجل محاولته الامساك بالوضع والسيطرة عليه كليا لمصلحته. ثم ان عملية الاغتيال هي جريمة ارهابية وفق القرار الدولي الذي نص على انشاء المحكمة، ما يثير تساؤلات اذا كان ثمة درجات في الارهاب تسمح بخوض حروب من اجل ردعه وتغييره واخرى تتيح غض النظر عنه؟ ولعل الكونغرس الاميركي بغالبيته من الحزب الجمهوري يمكن ان يوظف هذه الثغرة في اداء الرئيس الاميركي الذي يعتبر متساهلا مع النظام السوري في وقت من الاوقات خصوصا في حال مضت المحكمة الدولية في الاعتماد على شهادات السياسيين اللبنانيين في تحديد طبيعة اغتيال الحريري.
داخليا، ثمة جانب اساسي لجهة ما يعتبره البعض من ان شهادة حماده قد تفتح جدلا داخليا بفعل استجوابات الادعاء ثم استجوابات الدفاع عن المتهمين لاحقا. ومع ان الوقائع مثبتة حتى في اذهان حلفاء سوريا ووسائل الاعلام التي عملت على خط النظام السوري وعمدت على تذكية هذه الوقائع في حينه من باب تأكيد هيمنة النظام وسطوته وعدم جدوى مواجهتهما، فانه من غير المتوقع ان يتم التسليم بهذه الوقائع على انها حقائق مثبتة ويعتقد انه سيتم العمل على دحضها كما جرى العمل على محاولة دحض المحكمة والتشكيك بشرعيتها خلال كل الفترة الماضية خصوصا السابقة لبدء المحاكمة. فللنظام ملائكته الذين لا يزالون في لبنان وان ضعف هو بنتيجة الحرب التي يخوضها ضد معارضيه منذ اكثر من ثلاث سنوات وليس من المرجح ان يتم التسليم بتشريح طبيعة الوصاية السورية على لبنان والنفوذ الذي قبض على انفاسه من دون رد فعل سيسعى بكل قوة الى نسف هذه الحقائق. وما يخشاه البعض في هذا الاطار هو ان يؤدي الجدل الذي يحتمل ان يتجدد الى نكء جرح مفتوح اصلا في ما يتصل بالنظام السوري واستعاره اكثر من السابق.
هل ثمة خشية من اعادة النظام استخدامه الاوراق نفسها في لبنان كما كان يفعل في الماضي؟ ثمة من يفعل.