IMLebanon

«حماس» أدّت المهمّة  

من الطبيعي ان ترتاح «حماس» وان تعلن حلّ لجنتها الإدارية في قطاع غزّة وان تدعو الحكومة التي يرئسها رامي الحمدالله الى تولي مسؤولياتها في القطاع. أدّت «حماس» كل المطلوب منها. هل تتقاعد «حماس» أم تأخذ على عاتقها مهمّة جديدة في سياق ما قامت من اجله أصلا؟

بلغت «حماس» في الواقع الهدف الذى أنشئت من اجله والذي يتلخّص باجهاض المشروع الوطني الفلسطيني وصولا الى الوضع الذي استقرّت عليه القضية الفلسطينية في هذه الايّام. اليس لافتا ان الرئيس دونالد ترامب تطرّق في خطابه امام الجمعية للأمم المتحدة الى كلّ ما يدور في العالم متجاهلا الفلسطينيين وحقّهم المشروع في قيام دولتهم تجاهلا تاما؟

عاشت حركة «حماس» ثلاثين عاما. تأسست في أواخر العام 1987، ها هي الآن تستسلم للسلطة الوطنية في غزّة وتطلب منها تحمّل مسؤولياتها، أي دفع رواتب الفلسطينيين الذين لديهم وظائف رسمية في القطاع، بدءا برجال الشرطة. هل مهمّة السلطة الوطنية المفلسة بدورها، والمترهلة على كل صعيد، سياسيا وماليا خصوصا ان تكون وكيلة لتفليسة «حماس»؟

هل صار على السلطة ان تتكفّل بـ«حماس» بعدما أنجزت، بالنسبة الى إسرائيل، ما لم يستطع أي تنظيم فلسطيني آخر إنجازه؟ حقّقت الحركة الاسلامية ذلك عندما جعلت من الفلسطيني الملثّم واجهة لشعب مظلوم وعنوانه، شعب مظلوم يبحث عن طريقة لاستعادة ارضه المحتلة بالوسائل الديبلوماسية بعدما اكتشف ان السلاح خدم في مرحلة معيّنة الهدف الممكن المطلوب.

كان هذا الهدف الممكن يتمثّل في وضع فلسطين على الخريطة السياسية للشرق الاوسط. وهذا ما استطاعه ياسر عرفات الذي دفن في نهاية المطاف في ارض فلسطين وليس في مكان آخر.

نجح ياسر عرفات في بلوغ هدفه المباشر، لكنّه فشل في قطف ثمار ما حقّقه على ارض الواقع. هذا عائد لاسباب كثيرة، لا تزال موضوع جدل طويل. كان من بين هذه الاسباب عدم معرفته العميقة بما هي الولايات المتحدة الاميركية وكيف تعمل الادارة في واشنطن، إضافة بالطبع الى جهله التام لكيفية التعامل مع إسرائيل.

هل تتقاعد «حماس» ام لا تزال امامها مهمّة أخرى بعد نجاحها في تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني، اقلّه في غزّة، وتحويل القطاع الى سجن كبير في الهواء الطلق؟

لعلّ أخطر ما أنجزته «حماس»، إضافة الى تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، وهو البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، يتمثّل في جعل الفلسطيني مجرما وارهابيا في حين انّه الضحية. قلبت الأدوار بعد اعتمادها على العمليات الانتحارية لتبرير كلّ السياسات الإسرائيلية التي تستهدف تكريس الاحتلال… أي إرهاب الدولة.

صار الشعب الفلسطيني المظلوم، من وجهة نظر المجتمع الدولي، هو المعتدي وهو الارهابي، خصوصا بعد الانسحاب الإسرائيلي من كلّ قطاع غزّة صيف العام 2005. كلّ ما فعلته «حماس» منذ حصول الانسحاب هو وضع العصي في دواليب السلطة الوطنية. ما فعلته عمليا يتمثّل في تأكيد نظرية ارييل شارون القائلة ان «لا وجود لشريك فلسطيني يمكن التفاوض معه».

كان يمكن لقطاع غزّة، في ضوء الانسحاب الإسرائيلي ان يوفّر فرصة كي يظهر الفلسطينيون في العالم ما يمكن ان تكون عليه دولة فلسطينية مستقلة تستطيع العيش بسلام وامان مع جوارها. ولكن ما العمل بالعقل «الاخونجي» الذي يتحكّم بقادة «حماس» الذين أرادوا تحويل غزّة الى مرتع لفوضى السلاح وللصواريخ المضحكة – المبكية التي كانت تطلق في اتجاه إسرائيل. الأخطر من ذلك كلّه، انّ غزّة تحولت قاعدة للتآمر على مصر في وقت دخل النظام الذي على رأسه حسني مبارك في فترة غيبوبة مكّنت «حماس» من التأثير على مصر وما يدور فيها بدل ان يكون العكس هو الصحيح.

استكملت «حماس»، بدعم إيراني واضح، السيطرة على غزّة في حزيران 2007. أخرجت السلطة الوطنية منها واصرّت على متابعة عملية تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني ونشر البؤس والفقر والتخلّف فيه والتحرّش في الوقت ذاته بمصر من موقع قوّة. بدل ان تكون غزّة ساحة مصرية، صارت مصر ملعبا لـ«حماس» والذين يقفون خلفها في طهران.

بعد توقيع اتفاق أوسلو في خريف العام 1993 في حديقة البيت الأبيض، صار في غزّة مطار فلسطيني. كان الذهاب الى مصر برّا، امرا عاديا عبر معبر رفح. من يتذكّر ان الرئيس كلينتون زار غزة في أواخر العام 1998. استطاعت «حماس» التي ولدت من رحم الاخوان المسلمين تدمير كلّ ما تحقّق. استعانت بحروبها مع إسرائيل كي تضمن حصول مزيد من الخراب في كلّ انحاء القطاع وضمان فرض حصار عليه وعلى اهله. إسرائيل مرتاحة للحصار و«حماس» مرتاحة اكثر منها له.

هل استعادت «حماس» لغة المنطق؟ هل باتت مقتنعة بانّ التآمر على مصر ليس في مصلحتها ولا في مصلحة الشعب الفلسطيني وان كلّ ما تريده ايران هو استخدام الفلسطينيين ورقة في لعبة تخدم مشروعها التوسّعي؟

ما أقدمت عليه «حماس» يعطي إشارات كثيرة في اتجاهات متعددة. لكن السؤال الأساسي الذي سيطرح نفسه باستمرار والحاح في آن هو الآتي: هل يمتلك قادة الحركة ما يكفي من الشجاعة للقيام بعملية نقد ذاتي في العمق؟

في حال امتلاك مثل هذه الشجاعة، ليس امام قادة «حماس» سوى الاعتراف بانهم استخدموا في مهمة ما لبثت ان ارتدّت عليهم وعلى الشعب الفلسطيني الذي ادّعوا انّهم يريدون خدمته. كانوا في خدمة إسرائيل في كلّ وقت. كانوا شركاء مع اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي رفض اتفاق أوسلو بكل حسناته وسيئاته. كانوا عمليا حلفاء لهذا اليمين الإسرائيلي الذي نجح بقيادة ارييل شارون في البداية، ثمّ بنيامين نتنياهو في المرحلة الراهنة، في إيصال القضيّة الفلسطينية الى ما وصلت اليه، على الرغم من انّها قضية شعب مظلوم استطاع ان يخوض نضالا طويلا اوصله الى الامم المتحدة.

ليس امام قادة «حماس» في حال كانوا يحترمون الشعب الفلسطيني وما الحقوه به من خسائر سوى الاعتذار. لا يشفع بهم حاليا سوى الاداء السيئ للسلطة الوطنية التي تحوّلت، بسبب الإصرار على استبعاد أي شخصية تمتلك حدّا ادنى من الحيثية والثقافة السياسية والرؤية المستقبلية، الى جهاز امني لا صلاحية له له سوى التنسيق مع الإسرائيليين، ولا شيء آخر غير ذلك.

الأكيد ان الاعتذار لن يفيد في شيء باستثناء انّه يمكن ان يشير، الى انّ هناك من لا يزال لديه حدّ ادنى من المنطق طبعا، والى انّ السلاح لن يأتي للفلسطينيين بدولة. كذلك سيشير الى انّ فوضى السلاح التي راهنت عليها «حماس» منذ نشأت، وصولا الى استيلائها على القطاع، هي الطريق الأقصر للقضاء على قضية الشعب الفلسطيني وتحويل هذه القضية مجرّد مشروع تجاري تستثمر فيه ايران وغير ايران وكلّ من يريد المزايدة على العرب في موضوع القدس.